من بعدهم إلا قليلا» قلات ثلاث في استثناءات ثلاث ، مهما كان الأوسط منها يقتضي ادبيا «إلا قليل» لكن الآخران يقتضيان النصب كما هو ، والجمع بين الكل يقتضي النصب.
فقد أهلكنا إلا قليلا منها ، ولم تسكن ما هلكت إلا قليلا منها ، ولا من بعدهم إلا سكنى قليلة حيث أصبحت ممرات المارة المستفيدة منها قليلا دون أن تتخذ مساكن دائمة (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) إذ لا ساكن لها ، فكما ان لله ملك السماوات والأرض في الأصل ، ثم يجعلنا مستخلفين في بعض الملك مجازيا عارضيا ووقتيا ، كذلك له هذا الثاني الذي يستخلفنا فيه حين تهلك أو يهلك أهلوها ، فقد تهلك القرية بأهلها فلا بيوت حتى تسكن وإن قليلا ، وقد يهلك أهلوها وتهلك هي بعضا فتبقى بعض البيوت عامرة أو شبه عامرة فلا تسكن إلا قليلا (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) على أية حال.
فيا أهالي أم القرى المرزوقة من كل الثمرات لا تبطروا معيشتها فتستحقوا الهلاك والدمار ، فإن بطر المعيشة هو السبب الأصيل لهلاك القرى باستهلاكها ، وقد أوتيتم ذلك الحرم الآمن ، فاحذروا أن يحل بكم الهلاك كما بالغابرين ، فقد بقيت قراهم شاخصة تحدّث عن مصارع أهليها ولم يرثها احد بعدهم (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ).
(وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) ٥٩.
ليس ـ فقط ـ إهلاك القرى أن بطرت معيشتها إلّا بحجة قاطعة تبين حق المعيشة عن باطلها ، أن يبعث في أمها ـ لا كلها ـ رسولا ، فأم القرى وعاصمتها متّبعة بطبيعة الحال في حق أم باطل ، و «ما كان» على طول خط التكليف «ربك» الذي أرسلك في أم القرى (مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي