عليها من فورها ، ولو أن موسى ألقى قبلهم كان قد ألغى الموقف الجامع حيث يفر الجماهير من ثعبانه فلا يبقى مجال للمبارات ، وقد يؤوّل ما ألقاه انه سحر أعظم ، فلما ألقوا ألغى ما ألقوه بما ألقى من فورهم فغلب الحق وبطل ما كانوا يأفكون.
وليس في تطلّبه سحرهم طلب الباطل ، إذ كان يقصد إبطاله بآيته الإلهية ، وتطلّب ظهور الباطل لإبطاله حق يساند الحق.
(فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ) فلما رأوها تتحرك بكيدهم ، محلّقة الموقف بكل رعب وإعجاب ، مما لم يسبق لهم مثيله بهذه الصورة الجماعية الهائلة ، اشتبه عليهم أمرهم واطمأنوا إلى غايتهم المنشودة كأنما هي الآن حاصلة (وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ) فان جمع العصي والحبال لا بد وأن تتغلب في سحرها على سحر اليد والعصى الواحدة ، تقديرا ظاهرا وهم عن الحق هم غافلون.
(فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ)(٤٥).
فاللقف هو الأكل السريع ، الحاذق الخارق ، فقد أكلت الثعبان المبين كلّ ما يأفكون دونما رجع أو رجيع ، مما يؤكد أنها آية إلهية بعيدة عن السحر ، حيث السحر تخيّل وذلك واقع لا مردّ له ، وغلب سحر على سحر ليس إلا غلب خيال على خيال دونما واقعية مشهودة! ومهما تشكك في واقعه مرتابون ، فليس ليتشكك فيه مهرة الفن : السحرة ، فموقفهم سلبيا أو ايجابيا موقف حاسم لا ينكر له إلا لمن ينكر عقله وحسّه.
وإنها مفاجئة مذهلة غير متوقعة للسحرة ، عصى تنقلب حية تسعى وثعبانا مبينا ، هي لوحدتها تلقف ما يأفكون ، دون ان تبقي لها على أثر.
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى