وهنا (آمَنْتُمْ لَهُ) دون «به» نكاية بايمانهم انه ليس إسلاما عن قلب ، بل هو استسلام لسحر أعلى أمام ساحر عليم ايمانا لصالحه ، تحويلا للآية إلى سحر ما وجد اليه سبيلا.
إنه لا يشعر قلبه ما استشعره هؤلاء من الحق ، وهم أحرى ممن سواهم في تمييز الآية من السحر ، ومتى كانت للطغات قلوب يفقهون بها حتى يلمسوا هذه اللمسات الحية الوضائة.
هنا الطاغية يثنّي تهمة الاستسلام بأخرى يتهدم بها ـ في زعمه ـ صرح السحر من هؤلاء السحرة ، وأنه تآمر على السلطة الفرعونية : (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) ومتى كان بينهم حتى يعلّمهم ، ومتى سبق له سحر حتى يعلمه فيعلّمه ، ومهما يكن من أمر يكون له مأخذا في هذه التهمة ، فهو ان بعض هؤلاء ـ وهم من الكهنة ـ كانوا يتولون تربية موسى حين كان وليدا في قصره ، ولكنه يعاكس تهمته الى ضدها ، إنه (ع) تعلم من هؤلاء ، فبدلا من قوله «انه لتلميذكم ..» قال (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ..) ليزيد الأمر ضخامة في أعين الجماهير ووخامة في قلوبهم.
ولكن هذه الثانية كما الأولى لا تجد مجالا من القبول ، فالسحرة فالتة ، والحشد متنزّل أو متحول ، فالى ثالث ثلاثة هي التهديد بالصلب القاسي الذي كان يجري بحق أعصى العصاة وابغى البغاة :
(فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) ماذا أفعل بكم ايها الخونة المتمردون! (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) والسلطة قاهرة والطاغية قادرة ، فلو كان إسلامهم استسلاما لكانوا يستسلمون للسلطة الفرعونية ، إذ لم تكن لموسى سلطة زمنية ، اللهم إلا آية إلهية ، ولكنهم أثبتوا دون أية ريبة أن ايمانهم واقع دون مماراة ، لا مرد له ولا تحويل.