(قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) (٥١).
«قالوا» بأجمعهم «لا ضير» لنا فيما تهدّدنا إذ (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) انقلابا تاما لنا ، طاما لكياننا ، فلا مجال لك فينا ، ولا رجعة لنا إلى ما كنا :
(قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا ، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى. إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) (٢٠ : ٧٢ ـ ٧٤) (وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) (٧ : ١٢٦). اجل «لا ضير» في تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف ، ولا في تصليبنا أجمعين (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) عن حمأة هذه الأدنى ، فلا مطمع لنا إذا ولا مطمح إلّا (أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا) طول حياة التكليف حتى الآن ، (يَغْفِرَ لَنا) ل (أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) حيث سبقنا في هذه المباراة غيرنا في الايمان ، بل وسبقنا المؤمنين في صمود الايمان.
فيا لله ، يا لروعة الايمان وضوءته إذ تشرق في الضمائر الحية ، وتفيض على القلوب المستعدة فتسكب الطمأنينة في نفوس نفيسة في أعماقها ، مهما كانت بخيسة خسيسة في أوحاقها لفترة ـ مهما كانت طويلة ـ من أوقاتها ، فترتفع بسلالة من طين إلى أعلى عليين.
فلما تصل النفوس إلى هذه القمة المرموقة يوحى إلى الرسول (أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي ..).
وهنا يسدل الستار على موقف السحرة المهددون به إلى فرار موسى ومن معه إلى جانب البحر :