أترى «من قومه» تعني ـ فقط ـ قوم موسى الإسرائيليين؟ وقد آمن له السحرة أفضل ايمان في هذه المباراة ، وهم أفضل ممن سواهم ايمانا إلّا قليلا من بني إسرائيل المخلصين!
أم هم قوم فرعون من السحرة ومن تابعهم؟ وبعد الضمير يبعده! وقد آمن مع موسى جم غفير من قومه مهما آمن له معهم آخرون!
أم هم القومان وضمير الغائب هنا له مرجعان ، فقد آمن لموسى ذرية من قوم فرعون هم السحرة ومن تابعهم ، وذرية من قومه نفسه (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ) كأصل المخافة و «ملإهم» القبط المترفين ، والاسرائيليين العملاء لهم حفاظا على مكانتهم في عمالتهم الخاوية ، وهكذا يكون دوما فرقة الايمان ، انهم هم المستضعفون الذين لا يحسبون بشيء أمام الطغاة والكبراء ، المترذّلون في حسبانهم (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) (٢٦ : ١١١)! ومن هنا يعبّر عن المؤمنين له بقومه مهما كانوا قبطا ، حيث الايمان الموحّد يزيل الفوارق القومية : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ...) (٨٧).
وقد تعم بنو إسرائيل في هذا المجال غيرهم من المؤمنين ، ام انه تعبير عن الكل باسم الجل تغليبا (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ ..) (٩٠).
وعلى اية حال يؤمر موسى بعد نجاحه في المباراة ان يفر بقومه سريا (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) أتراهم لم يكونوا متّبعين طول هذه المدة إلّا لمّا أوحي إلى موسى؟ اجل ولكنه اين إتّباع من إتّباع ، فهم كانوا متّبعين ملاحقين وهم يتحملونه إذ كان محمولا ، ولكنهم الآن متبعون استئصالا لهم عن بكرتهم.
(فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) (٥٦).