خلقه نفسه لأنه اقرب آية واثمنها وأتقنها دليلا على خالقه (١)
٢ ـ (فَهُوَ يَهْدِينِ) لا سواه ، حيث الهداية الكاملة الشاملة تقتضي كامل القدرة والعلم وشامله لمن يهدي ، فقد انشأني من حيث يعلم وأنا لا أعلم ولا من سواي ممن أنشأه ، فهو العالم بسؤلي لا سواه ، والعارف بحالي ومآلي وكل مالي لا سواه «فهو» إذا «يهدين» إلى ما خلقني لأجله ، وقد هداني فطريا وعقليا وحسيا إليه ، وأراني آياته في الآفاق وفي نفسي (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)؟ هناك «خلقني» هو محور المعرفة ،
__________________
(١) الدر المنثور : ٥ : ٨٩ ـ عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا توضأ العبد لصلاة مكتوبة فأسبغ الوضوء ثم خرج من باب داره يريد المسجد فقال حين يخرج : بسم الله الذي خلقني فهو يهدين هداه الله للصواب ـ ولفظ ابن مردويه ـ لصواب الأعمال (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) أطعمه الله من طعام الجنة وسقاه من شراب الجنة (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) شفاه الله وجعل مرضه كفارة لذنوبه (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) أحياه الله حياة السعداء وأماته ميتة الشهداء (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) غفر الله خطاياه كلها وإن كانت اكثر من زبد البحر (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) وهب الله له حكما والحقه بصالح من مضى وصالح من بقي (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) كتب في ورقة بيضاء ان فلان بن فلان من الصادقين ثم وفقه الله بعد ذلك للصدق (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) جعل الله له القصور والمنازل في الجنة. وفي تفسير البرهان ٣ : ١٨٤ ـ ابن بابويه بسند متصل عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال : سألته عن قول الله عز وجل : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) وذكر الحديث فيما ابتلاه به ربه إلى أن قال : والتوكل بيان ذلك في قوله : الذي خلقني ـ إلى ـ يوم الدين ـ ثم الحكم والانتماء إلى الصالحين في قوله : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) يعني بالصالحين الذين لا يحكمون إلا بحكم الله عزّ وجلّ ولا يحكمون بالآراء والمقاييس حتى يشهد له من يكون بعده من الحجج بالصدق بيان ذلك (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ..).