ثم ولا أكلفكم على رسالتي ـ بكل صعوباتها وملتوياتها ومنحنياتها ـ اجرا ، مما يزيد لي تصديقا :
(وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) ١٠٩.
وعدم سئوال الأجر أو قبوله سنة مستمرة طول خط الرسالات ، مما يسهّل الإقبال إليها دونما صعوبة وتكلف ، فالركن الأوّل لها هو الايجابي : (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) والثاني هو السلبي : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) فالدافع لتصديقها واقع ، والمانع عنها غير واقع ، فما بقي هنا إلّا القبول ، وبطبيعة الحال لا يدعي الرسول ما يدعيه دون برهان مبين يقطع كل الأعذار ويقنع الأفكار.
(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) ١١٠.
يكرر هنا الأمر بتقوى الله وطاعته هو كرسول الله ، لتكرار الدافع لها ، وهو السلب إلى الإيجاب ، وهذه ثالثة ثلاثة في أمر التقوى ، مما يدل على انها هي المحور الأصيل في كل شرعة إلهية ، حيث تجتمع فيها كل الأصول العقائدية والفروع العلمية ، من واجبات ومحرمات تجمعها تقوى الله وطاعة الرسول في الله.
وذلك خلاف ما عهده الناس من الكهّان وقسم من رجال الأديان من استغلال الدين لابتزاز الأموال بشتّى الأساليب ، فدعوة الله الحقة متجردة عن كل أجر إلّا من الله.
وخلاف عهد آخر لهم من النسناس المتزيين بزي الدعاة إلى الحق وهم في الحق على باطل نكد ، فلكي يلصقوا باطلهم إلى قلوب الناس لا يطلبون أجرا بل ويصرفون أموالا طائلة ويرخّصون الجنس ، ويقدمون كل ألوان المشتهيات الحيوانية ، لكي يجلبوا أنظار الناس إلى ما يدعون.