ولكن رجالات الله ، الدعاة إلى الله ، هم متجردون عن كل هوى إلّا هوى الله ، وعن كل أجر إلّا من الله ، متزودين بآيات الله البينات ، واقعيين متصلبين في وجهاتهم الدعائية لا تحركهم العواصف ولا تزيلهم القواصف.
والمهم في دعامتي الرسالة الحقة الأمانة ثم الأمانة ، وليس عدم سئوال الأجر إلّا قاطعا للأعذار المادية بعد قطع الأعذار المعنوية ، فليس ـ إذا ـ مستقلا بجنب الأمانة ، ولذلك تأخر عنها تأكيدا للتصديق.
فالرسول الأمين الذي يطلب أجرا لا يتوفّق في دعوته لا سيما والأكثرية الساحقة من المهتدين فقراء ، وغير الأمين وإن دفع أجرا بديل طلبه إياه لا يدعو إلّا إلى النار ، فليكن الرسول جامعا بين الأمرين (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).
(قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) ١١١.
(فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) (١١ : ٢٧).
نعم «الأرذلون» (أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) المعروفون عندهم بحساب الهوى وقيم الدنيا الرذيلة ، ألّا مال لهم ولا منال ، فلو كانت دعوتك حقة لاتبعك الأعلون ، ذوو الحنكة المتحضّرون ، فلمّا اتّبعك الأرذلون عرفنا أن دعوتك رذيلة لا تحمل أية فضيلة.
أم إن كانت دعوتك حقة فلتطرد التابعين الأرذلين حتى يفسح لنا مجال اتباعك ، حيث التسوية بيننا وبينهم ضلال مبين.
لكن «الأرذلون» في ميزانهم المتأرجف اللعين هم السابقون دوما إلى الرسل ، أخفاء في قبول الحق لا تثقلهم وتقعدهم عنها أغلال الثروات والطنطنات والكبرياءات والمصلحيات القائمة على الأوضاع المزيفة.