(فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) وليس الصبر الذي يعقبه الفرج حتى يبدّل مرّه حلوا لآجل الفرج ، وإنما هو النار المثوى القرار ولات حين فرار! ليس لهم إلّا الصبر على النار فإنه مثواهم المأوى ومستقرهم في الأخرى بما قدموها ، وان يستعتبوا ـ طلب العتبى والرضا ـ فما هم بمرضيين ، والإعتاب هو استصلاح الجلد بإعادته في الدّباغ ، وهؤلاء لم يبق لهم مجال الاستصلاح حيث تردّوا بكاملهم إلى الفساد فلا مثوى لهم إلّا النار (اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ) (٥٢ : ١٦).
ومعنى ثان للعتبى هو العتاب الشديد ، فإن طلبوا عتباهم فلا يعتبون ، كناية عن غاية ترذّلهم لحد لا يخاطبون حتى خطاب العتاب (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (٣٠ : ٥٧) وقد جرت العادة أن الذي يطلب العتاب يطلبه كذريعة لما يرجوه من الصفح والرضا تغاضيا عن الأسباب ، فاليوم يغلق باب العتاب متابا وعتابا.
فالاعتباء يعني كلا السلب والإيجاب ، العتبى وإزالة العتاب ، كما الإطاقة هي سلب الطاقة ، فان يستعتبوا طلب سلب العتاب بعتبى الاستصلاح فما هم بمعتبين ، وإن يستعتبوا إيجاب العتاب التنديد فما هم بمعتبين! (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) جزع الصراخ أم طلب الإصلاح ، أم طلب العتاب ، فقد سدل الستار وأغلقت الأبواب وتمت كلمة ربك بتمام العذاب!
(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ)(٢٥).
ولأنهم عشوا عن ذكر الرحمن فعاشوا عشو الشيطان (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ