ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (٤٣ : ٣٦) لذلك (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ ..) (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (١٩ : ٨٣).
فالتقييض هو الإرسال ، فكما الله يرسل للمؤمنين مؤيدين لاكتمال الإيمان ثوابا وفاقا ، كذلك يرسل للكافرين مؤيدين عقابا وفاقا ، أم ليس التقييض ـ فقط ـ الإرسال وإلّا جيء بصيغته الشهيرة «أرسلنا» كما في آيته الأخرى ، بل هو الإرسال التبديل ، أن بدلناهم عن الهداة التّقاة بغاة طغاة ، إذ بدلوا نعمة الله كفرا و (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) فلما بدّلوا دعوة الهدى إلى الردى (قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ) ليواصلوا في الردى (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) ، (فَزَيَّنُوا لَهُمْ) ثانيا بزيادة ، ما تزين لهم أنفسهم بما ظلموا وتعاموا وعشوا (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من شهواتهم الحاضرة ودنياهم المستقبلة ويوم القيامة (وَما خَلْفَهُمْ) ما خلفوها وجعلوها سنة أم فعلة عابرة غابرة ، ومن سنن الغابرين أمثالهم ، فعند ذلك تمادوا في العصيان وتعاموا في الطغيان.
ومن تزيين دنياهم بين أيديهم وخلفهم أنهم يصورونها بمكائد وأكاذيب صورة المطلوب والغاية القصوى من الحياة : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا ..) ومن تزيين عقباهم الأولى تشجيعهم على جبران ما فات منها ، عرضا للمستقبل أعرض مما مضى ، ومن تزيين عقباهم الأخرى ، تزيين نكرانها ، أم وعلى قبولها لمن ليس لينكرها ، تزيين حسابها هينا لا يعتد به ، أم غفرانا للمجرمين قضية الرحمة الواسعة الفوضى جزاف ، أم و (أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) أماذا من تحريف للآخرة وحسابها ، وتجديف فيها وتجريف لها يخرجها عما يحمل على التقوى ويذر على الطغوى فهذه هي المهلكة العظمى والمصيبة الكبرى والمنحدر الذي ينتهي الى كل بوار (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) وهم من «الأخسرين (أَعْمالاً الَّذِينَ