(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(٤٠).
اللّحد حفرة مائلة عن الوسط ، فالإلحاد هو الإمالة عن الوسط الحق إلى حفرة إفراط أو تفريط ، و «آياتنا» تعم التكوينية كسائر الآيات الدالات على الله بما فيها آيات النبوات وحملتها ، والتدوينية كسائر كتابات الوحي بما فيها القرآن ، فالإلحاد في تكوينية الآيات السائرة هو إمالتها عن كونها آيات كأنها لا تدل على الله تفريطا فيها ، ام إشراكها بالله كأنها له أنداد إفراطا في شأنها ، وفي التكوينية الخاصة كما الإفراط في أسماء الله تحويرا لها وتحريفا عن معانيها المعنية ، أم اختلاقا لأسماء لم يسم بها نفسه (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٧ : ١٨) والتفريط في (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (١٦ : ١٠٣) والإفراط فيه أنه منه دون الله! وفي كيان الرسل وآياتهم المعجزات إفراطا كما في عيسى وعزير من بعضهم وتفريطا كما في سائر المرسلين من آخرين ، وقد يكون إفراط الإلحاد في آيات الله من حصائل التفريط فيها وكثير ما هو ، فمن أبصر إلى آيات الله مستقلات دون اعتبار بها تفريطا فيها ، فقد أفرط فيها أن يجعلها أندادا لله تعالى ، ومن أبصر بها بصرته لمعرفة هي أسمى فلا تفريط إذا ولا إفراط ، فإنهما من حصائل الإبصار إليها دون الإبصار بها وكما يروى عن الإمام علي (عليهم السلام) في شأن الدنيا ، «من أبصر بها بصرته ومن أبصر إليها أعمته».
ثم الإلحاد في كتابات الوحي منه لفظي كالتحريف بزيادة هي الإفراط أم نقيصة هي التفريط ، وقد فعلوهما في التوراة والإنجيل ، ولم يستثن عن الإلحاد فيه هكذا إلّا القرآن كما تستثنيه الآية التالية ، ومنه معنوي يعمه حيث التحريفات المعنوية في القرآن سائرة في كل زمان ومكان.