من كتاب : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (٥ : ٢٨) هيمنة حكيمة لا نفاذ فيها ممن سواه ولا نفاد ، وإنما سيطرة الملك القدوس السّلام المؤمن : (الْعَزِيزُ) : الغالب ـ عزيز في ملكه وقدسه وسلامه وهيمنته ، عزيز في ذاته وصفاته وأفعاله ، عزيز في حكمته (٢ : ٢٢٠) عزيز في انتقامه (٣ : ٤) عزيز في قوته (١١ : ٦٦) عزيز في رحمته (٢١ : ٩) عزيز في غفرانه (٦٧ : ٢) فلا عزة إلا له وبه ومنه (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٦٣ : ٨).
(الْجَبَّارُ) : والجبر هو إصلاح الشيء بضرب من القهر ، فالجبّار هو كثير الجبر لكل كسر من كل كسير ، كسرا في الخلق أو الخلق ، في القلب أو القالب ، فهو جبار في الإصلاح ، لا تحمله إلا هذه الآية ، ثم أهل الطغوى جبارون في الإفساد ، بين جبار عصي (١٩ : ١٤) وجبار شقي (١٩ : ٣٢) وجبار عنيد (١١ : ٥٩) في بطشة جبارة : (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) (٢٦ : ١٣٠) فهذا الجبار العصي العنيد الشقي يقابل الجبار المصلح الوفي : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) (٢٨ : ١٩) فهناك جبار يجبر الكسير (١) ، وهنا جبار يكسر الجبير ، فأين جبار من جبار سبحان العلي القدير ، ولا يوجد جبار في الإصلاح إلا الله ، حتى ولا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلا في بلاغ الرسالة ، لا في التكوين ولا التشريع! (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) (٥٠ : ٤٥).
وكل جبره تعالى إصلاح ، سواء جبره الخلق في ذواتهم والبعض من أفعالهم ، أو في أحوالهم المنكسرة التي تتطلب الجبر ، وللعارفين نصيب من هذا الاسم المجيد لأنفسهم مهما حرموا عن كامله (٢).
__________________
(١) من أدعية الإمام علي (ع) : «يا جابر كل كسير ومسهل كل عسير».
(٢) من حظه أن يقبل على نفسه ، مجبرا نقائصها باستكمال الفضائل ، فيحملها على ملازمة التقوى ومجانبة الطغوى ، ويكسر منها الهوى الطائشة والشهوات الفاحشة ، ويترفع عما سوى الله ، متخليا عنهم متحليا بالله ، لا يزلزله تعاور الحوادث.