وهل ان الكافرات هنا المشركات ، كما الآيات نازلة فيهن وفي المشركين؟ أم هن والكتابيات ، لأن شأن النزول لا يخص الآية بموردها ، وإنما المتبع فيها عموم اللفظ : «الكوافر» لا خصوص المورد : «المشركات»؟ وجهان أشبههما ثانيهما ، فلا تحل ـ إذا ـ نكاح الكتابيات على أية حال لعموم هذه الآية.
اللهم إلا أن آية البقرة تخص الحرمة بالمشركات ، فعلّها ناسخة عموم الكوافر هنا ، وآية المائدة تصرح بحلّ الكتابيات ، فهي ناسخة آية الكوافر ، ومؤكدة ان المشركات في البقرة لا تعم الكتابيات ، أو إذا عمت بما تعلّل فهي أيضا منسوخة بآية المائدة ، فتحل الكتابيات على المؤمنين ، وتبقى حرمة المؤمنات على الكافرين مشركين أم كتابين ، على قوتها ، في عموم آيتي الممتحنة والبقرة.
فآية الممتحنة حرمت المؤمنات على الكافرين : (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) مشركين وكتابيين ، وحرمت الكافرات على المؤمنين (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) كذلك فإن موضوع الحرمة فيها هو الكفر لا خصوص الشرك ، رغم أنه مورد نزولها.
ثم آية البقرة ، وإن كانت تختص الحرمة بالشرك دون مطلق الكفر : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٢ : ٢٢١).
هذا ـ ولكن الغاية التي تزيل الحرمة : (حتى يؤمن .. حتى يؤمنوا) إنها تضم الكتابيين والكتابيات إلى جماعة الشرك ، إذ لم يؤمنوا ولم يؤمن ، واحتمال ان الإيمان هنا هو الخروج عن الشرك فيعم الكتابي ، انه ـ على بعده ـ تدفعه حكمة الحكم أو علته : (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) مهما اختلفت نار الدعوة بين المشركين والكتابيين ، وعلّ اختصاص المشرك بالذكر بحساب أنه الأصل في الحرمة ، التي لا علاج لها ولا استثناء فيها ، دون الكتابي.