ثم إذا حصلتها رجعت إلى ذاتها ، فإن تعرض لها شىء من القوى التي دونها شاغلة إياها بما يليها من الأحوال شغلتها عن فعلها فأضربت عن فعلها ، (١) وإن لم تشغلها فلا تحتاج إليها بعد ذلك فى خاص أفعالها إلا فى أمور تحتاج فيها خاصة إلى أن تعاود القوى الخيالية مرة أخرى وذلك لاقتناص (٢) مبدأ غير الذي حصل أو معاونة بتمثيل (٣) الغرض فى الخيال ليستحكم (٤) تمثله (٥) بمعونته فى العقل ، وهذا مما يقع فى الابتداء ولا يقع بعده إلا قليلا. فأما (٦) إذا استكملت النفس وقويت فإنها تنفرد بأفاعيلها على الإطلاق ، وتكون القوى الحسية والخيالية وسائر القوى البدنية صارفة إياها عن فعلها ، مثل أن الإنسان قد يحتاج إلى دابة وآلات ليتوصل بها إلى مقصد ما (٧) ، فإذا وصل إليه ثم عرض من من الأسباب ما يعوقه عن مفارقتها (٨) صار السبب الموصل بعينه عائقا. ونقول : إن الأنفس الإنسانية لم تكن قائمة مفارقة للأبدان (٩) ثم حصلت فى الأبدان ، لأن الأنفس الإنسانية متفقة فى النوع والمعنى ، فإذا فرض أن لها وجودا ليس حادثا مع حدوث الأبدان ، بل هو وجود مفرد ، لم يجز أن تكون النفس فى ذلك الوجود متكثرة. وذلك لأن تكثر (١٠) الأشياء إما أن يكون من جهة الماهية والصورة ، وإما أن يكون من جهة النسبة إلى العنصر والمادة المتكثرة بما تتكثر به من الأمكنة التي تشتمل على كل مادة فى جهة والأزمنة التي تختص بكل واحد منها (١١) فى حدوثه والعلل القاسمة إياها ، (١٢) وليست متغايرة بالماهية والصورة ، لأن صورتها واحدة. فإذن إنما تتغاير من جهة قابل الماهية أو المنسوب (١٣) إليه الماهية بالاختصاص ، وهذا هو البدن. وأما إذا أمكن أن تكون النفس موجودة ولا بدن ، فليس يمكن أن تغاير نفس نفسا بالعدد وهذا مطلق فى كل شىء ، فإن الأشياء التي ذواتها (١٤) معان فقط وقد (١٥) تكثرت نوعياتها بأشخاصها
__________________
(١) فأضربت عن فعلها : أو أضربت بفعلها ك ، م.
(٢) لاقتناص : لاقتباض ك
(٣) بتمثيل : تمثيل ك.
(٤) ليستحكم : يستحكم د ؛ فيستحكم ك ؛ ويستحكم م
(٥) تمثله : بمثله م.
(٦) فأما : + الذي ك.
(٧) مقصد ما : مقصده ك.
(٨) مفارقتها : مقاربته ك.
(٩) الأبدان : البدن د ، ك ، م.
(١٠) تكثر : كثرة ك.
(١١) منها : نوعها ك
(١٢) إياها : وإياها د ؛ لها م.
(١٣) أو المنسوب : والمنسوب ك ، م.
(١٤) ذواتها : ذاتها د
(١٥) وقد : فقد ك.