وأدركتها الحنة على ولدها فتركت إسماعيل في موضعه وارتقت على الصفا تنظر هل ترى عينا أو شخصا ، فلم تر شيئا فدعت ربّها واستسقته ثمّ نزلت حتى أتت المروة ففعلت مثل ذلك ، ثمّ سمعت أصوات السباع فخشيت على ولدها فأسرعت تشتد نحو إسماعيل فوجدته يفحص الماء من عين قد انفجرت من تحت خده ، وقيل : بل من تحت عقبه ، قيل : فمن ذلك العدو بين الصفا والمروة استنانا بهاجر لما عدت لطلب ابنها لخوف السباع ، قالوا : فلمّا رأت هاجر الماء سرّت به وجعلت تحوطه بالتراب لئلا يسيل فيذهب ولو لم تفعل ذلك لكان عينا جارية ، ولذلك قال بعضهم :
وجعلت تبني له الصفائحا ، |
|
لو تركته كان ماء سافحا |
ومن الناس من ينكر ذلك ويقول : إن إسماعيل حفره بالمعاول والمعالجة كسائر المحفورات ، والله أعلم ، وقد كان ذلك محفورا عندهم قبل الإسلام ، وقالت صفية بنت عبد المطلب :
نحن حفرنا للحجيج زمزم |
|
سقيا نبيّ الله في المحرّم |
ركضة جبريل ولمّا يفطم |
قالوا : وتطاولت الأيّام على ذلك حتى غوّرت تلك السيول وعفتها الأمطار فلم يبق لزمزم أثر يعرف ، فذكر محمد بن إسحاق فيما رفعه إلى عليّ بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أن عبد المطلب بينما هو نائم في الحجر إذ أتي فأمر بحفر زمزم ، فقال : وما زمزم؟ قالوا : لا تنزف ولا تهدم ، تسقي الحجيج الأعظم ، وهي بين الفرث والدّم ، عند نقرة الغراب الأعصم ، فغدا عبد المطلب ومعه الحارث ابنه ليس له يومئذ ولد غيره فوجد الغراب ينقر بين إساف ونائلة ، فحفر هنالك فلمّا بدا الطيّ كبّر فاستشركته قريش وقالوا : إنّها بئر أبينا إسماعيل ولنا فيها حق ، فأبى أن يعطيهم حتى تحاكموا إلى كاهنة بني سعد بأشراف الشام ، فركبوا وساروا حتى إذا كانوا ببعض الطريق نفد ماؤهم فظمئوا وأيقنوا بالهلكة فانفجرت من تحت خف عبد المطلب عين من ماء فشربوا منها وعاشوا وقالوا : قد ، والله ، قضي لك علينا أن لا نخاصمك فيها أبدا ، إن الذي سقاك الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم ، فانصرفوا ، فحفر زمزم فوجد فيها غزالين من ذهب وأسيافا قلعية كانت جرهم دفنتها عند خروجهم من مكّة ، فضرب الغزالين بباب الكعبة وأقام عبد المطلب سقاية زمزم للحاج ، وفيه يقول حذيفة بن غانم :
وساقي الحجيج ثمّ للخير هاشم |
|
وعبد مناف ذلك السيّد الفهر |
طوى زمزما عند المقام فأصبحت |
|
سقايته فخرا على كلّ ذي فخر |
وفيه يقول خويلد بن أسد بن عبد العزّى وفيه ما يدل على أن زمزم أقدم من إسماعيل ، عليه السلام :
أقول ، وما قولي عليكم بسبّة :
إليك ابن سلمى أنت حافر زمزم |
|
حفيرة إبراهيم يوم ابن هاجر ، |
وركضة جبريل على عهد آدم |
زُمَّزْمُ : بضم أوّله ، وتشديد ثانيه وفتحه ، وزاي أخرى ساكنة ، وآخره ميم : موضع بخوزستان من نواحي جنديسابور ، لفظة عجمية.
زُمُلْقُ : بضم أوّله وثانيه ، وسكون اللام ، وآخره قاف : قرية قريبة من سنج من قرى مرو ، وهي