شبديز وجدتها كما ذكر هذا المعتزلي ، فإن كان من صنعة الآدميين فقد أعطي هذا المصوّر ما لم يعط أحد من العالمين ، فأي شيء أعجب أو أظرف أو أشد امتناعا من أنه سخرت له الحجارة كما يريد ، ففي الموضع الذي يحتاج أن يكون أسود اسودّ وفي الموضع الذي يحتاج أن يكون أحمر احمرّ وكذلك سائر الألوان ، والذي يظهر لي أن الأصباغ التي فيه معالجة بصنف من المعالجات ، ثمّ صوّر شيرين جارية أبرويز أيضا قريبة من شبديز وصوّر نفسه أيضا راكبا فرسا لبيقا ، وقد ذكر هذه القصة خالد الفيّاض في شعر قاله وهو :
والملك كسرى شهنشاه تقنّصه |
|
سهم بريش جناح الموت مقطوب |
إذ كان لذّته شبديز يركبه ، |
|
وغنج شيرين والدّيباج والطّيب |
بالنّار آلى يمينا شدّ ما غلظت |
|
أن من بدا فنعى الشبديز مصلوب |
حتى إذا أصبح الشبديز منجدلا ، |
|
وكان ما مثله في الخيل مركوب |
ناحت عليه من الأوتار أربعة |
|
بالفارسيّة نوحا فيه تطريب |
ورنّم البهلبند الوتر فالتهبت |
|
من سحر راحته اليمنى شآبيب |
فقال : مات! فقالوا : أنت فهت به |
|
فأصبح الحنث عنه وهو مجذوب |
لو لا البهلبند والأوتار تندبه |
|
لم يستطع نعي شبديز المرازيب |
أخنى الزّمان عليهم فاجرهدّ بهم ، |
|
فما يرى منهم إلّا الملاعيب |
وقال أبو عمران الكسروي يذكره :
وهم نقروا شبديز في الصّخر عبرة ، |
|
وراكبه برويز كالبدر طالع |
عليه بهاء الملك والوفد عكّف |
|
يخال به فجر من الأفق ساطع |
تلاحظه شيرين واللّحظ فاتن ، |
|
وتعطو بكفّ حسّنتها الأشاجع |
يدوم على كرّ الجديدين شخصه ، |
|
ويلفى قويم الجسم واللون ناصع |
واجتاز بعض الملوك هناك ونزل وشرب وأعجبه الموضع فاستدعى خلوقا وزعفرانا فخلّق وجه شبديز وشيرين والملك ، فقال بعض الشعراء :
كاد شبديز أن يحمحم لمّا |
|
خلّق الوجه منه بالزّعفران |
وكأنّ الهمام كسرى وشيري |
|
ن مع الشيخ موبذ الموبذان |
من خلوق قد ضمّخوهم جميعا |
|
أصبحوا في مطارف الأرجوان |
وقال ابن الفقيه : أنشدني أبو محمد العبدي الهمذاني لنفسه في صورة شبديز :
من ناظر معتبر أبصرت |
|
مقلته صورة شبديز |
تأمّل الدّنيا وآثارها |
|
في ملك الدّنيا أبرويز |
يوقن أنّ الدّهر لا يأتلي |
|
يلحق موطوءا بمهزوز |
أبعد كسرى اعتاض من ملكه |
|
مخطّ رسم ثمّ مرموز |
يغبط ذو ملك على عيشة |
|
رنق يعانيها بتوفيز |