وقد يترك تكرارها استغناءً بذكر أحد القسمين عن الآخر ، أو بكلام يذكر بعدها في موضع ذلك القسم.
فالأول نحو : (يا أيُّها النّاسُ قَدْ جاءكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبّكُمْ وَأنْزَلْنا إلَيْكُمْ نُوراً مُبيناً ، فَأمّا الّذينَ آمَنُوا بِالله وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ في رَحْمَة مِنْهُ وَفَضْل) (النّساء/١٧٤ و ١٧٥) أي : وأما الذين كفروا بالله فلهم كذا وكذا.
والثّاني نحو : (هُوَالّذي أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ اُمُّ الكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ، فَأمّا الّذينَ في قُلُوبِهِمْ زيغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاء الفِتْنَةِ وَابْتِغاء تأوِيلِهِ) (آل عمران /٧). أي : وأما غيرهم فيؤمنون به ، ويدل على ذلك (يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (١) (آل عمران /٧).
وقد تأتي لغير تفصيل أصلاً ، نحو قول الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) : «أمّا بعد فإنّي لا أعلمُ أصحاباً أوْفى ولا خيراً مِنْ أصحابي» (٢).
وأمّا التوكيد : فقال الزمخشري في توضيحه : فائدة «أمّا» في الكلام أن تعطيه فضل توكيد ، تقول : زيد ذاهب ، فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب وأنه بصدد (٣) الذهاب وأنه منه عزيمة ، قلت : «أما زيد فذاهب» ولذا قال سيبويه في
__________________
١ ـ (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (آل عمران).
٢ ـ الكامل في التاريخ : ٤/٥٧.
٣ ـ قال الصبان : هذا يوهم أن الذهاب لم يحصل بالفعل وهو خلاف ظاهر «ذاهب» حاشية الصبان : ٤/٣٦.