الموت إليّ» (١) ، أو كما قال : «والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطّفل بثدي أمّه» (٢). وهكذا كان أصحاب الحسين لا يبالون بالموت ، بل يستبشرون به حيث يعلمون أنّهم على حقّ ، وغيرهم على باطل ، فهم على يقين أنّهم سيقفون بين يدي الله مرفوعي الرّؤوس ، موفوري الكرامة.
قال برير بن خضير الهمداني لعبد الرّحمن الأنصاري : ولكنّي لمستبشر بما نحن لاقون ، والله ما بيننا وبين الحور العين إلّا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ، وودّدت أنّهم مالوا علينا السّاعة» (٣).
هذه صورة صادقة ناطقة بحقيقة الأصحاب جميعا ، وأنّهم عند ثقة الإمام وقوله : «يستأنسون بالمنيّة دوني استئناس الطّفل بمحالب أمّه». لقد رخصت عندهم الأرواح ، ولم يكترثوا بالمال ، والعيال ، ما داموا مع النّبيّ وآله.
وقال الحرّ الرّياحي : «إنّي أخيّر نفسي بين الجنّة والنّار ، فو الله لا اختار على الجنّة شيئا ، ولو قطّعت وحرّقت» (٤). أيقن الحرّ أنّ الجنّة مع الحسين ، وأنّ ثمنها القتل ، وأنّ الحياة «قليلا» مع ابن سعد ، ثمّ يعقبها العذاب الدّائم ، فاختار الموت مع الحقّ على الحياة مع الباطل ، وكان مثالا صادقا لقول الإمام : «أمّا بعد. فقد نزل من الأمر بنا ما ترون ، وإنّ الدّنيا قد تغيّرت وتنكّرت ، وادبر معروفها ، ولم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون إلى
__________________
(١) انظر ، شرح الخطبة : (٥٥).
(٢) انظر ، شرح الخطبة : (٥).
(٣) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٤٢١ و ٤٢٣ ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ١٠٦ ، الكامل لابن الأثير : ٤ / ٣٧ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١١٢.
(٤) انظر ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٢١ ، إعلام الورى بأعلام الهدى : ٤٦٠.