هذه ألفاظه ، وهذا اسلوبه ، وخطابه مع قوم ما وضعت ألفاظ السّباب واللّعن إلّا للدّلالة على خساستهم. إنّ تلك الفظائع لم تخلق من برير رجلا غير برير ، فهو هو ذاك الوادع المتواضع ، والزّاهد الخاشع الدّاعي إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإذا كان برير عظيما فكيف يفوّه بالحقير الّذي يستطيع النّطق به الطّفل الصّغير ، والمرأة الضّعيفة ، والسّفيه الفاجر ، إذا كان برير عظيما فليدع الكلام للسّيف وحده. برز برير لقتال جيش الظّلام وبين جنبيه قلب يستبشر بالموت استبشاره بعناق الحور العين ، فلم يدن أحد منه لشجاعته وهيبته ، فكان يحمل على الأعداء ويفرون من بين يديه خشية من لقائه ، فيناديهم اقتربوا منّي يا قتلة المؤمنين ، اقتربوا منّي يا قتلة أولاد رسول ربّ العالمين ، ولمّا عجزوا عن مقاومته وجها لوجه اغتاله كعب بن جابر بطعنة رمح في ظهره ، بعد أن قتل منهم ثلاثين رجلا ، فأودت الطّعنة بحياته الطّاهرة الزّكيّة الّتي شهد لصاحبها الرّجال والنّساء من قومه وعارفيه أنّه ما عرف الباطل شابّا ولا كهلا ؛ قال بعض من أعان على الحسين عليهالسلام لكعب عندما رآه قاصد اغتيال برير : ويّلك هذا الّذي كان يعلمنا القرآن (١) ، وأقسمت زوّجته لدى رجوعه إليها أن لا تكلمه أبدا (٢). لقد لبّى برير
__________________
(١) انظر ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ٢٤٨ ولكن بلفظ «برير بن خضير» بدل «يزيد بن الحصين» كما جاء في الفصول المهمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٤٤ ، بتحقّيقنا. وكان من الزّهّاد الّذين يصومون النّهار ويقومون اللّيل ، فقال : يابن رسول الله إئذن لي أن آتي هذا الفاسق عمر بن سعد فأعظه لعلّه يتّعظ ويرتدع عمّا هو عليه ، فقال الحسين : ذاك إليك يا برير ، فذهب إليه حتّى دخل على خيمته فجلس ولم يسلّم ، فغضب عمر وقال : يا أخا همدان ما منعك من السّلام عليّ ألست مسلما اعرف الله ورسوله وأشهد بشهادة الحقّ؟ فقال له برير : لو كنت عرفت الله ورسوله كما تقول لما خرجت إلى عترة رسول الله تريد قتلهم ، وبعد فهذا الفرات يلوح بصفائه ويزلج كأنّه بطون الحيّات تشرب منه كلاب