يرجع في سلوكه إلى عقل ، ولا دين ، ولا ضمير ، وإنّما المعيار ، والدّافع ، والمثل الأعلى عنده هي المنفعة الخاصّة لا غيرها ... شأن جميع الأقوياء الّذين لا يربطهم أي شيء بهذا العالم غير المصالح الشّخصيّة (١).
أمّا واقع أبي طالب فعلى الضّد تماما من واقع أبو سفيان ، فلا يلتقيان في جهة ، ولا يتشابهان في شيء ، فأبو سفيان تأكل الضّغائن قلبه على محمّد ، وأبو طالب يحنو عليه حنو المرضع على فطيمها ، فعن طبقات ابن سعد أنّه كان يحبّه حبّا شديدا لا يحبّه ولده ، وكان لا ينام إلّا وهو إلى جنبه (٢) ، وإذا خرج أخرجه معه (٣) ،
__________________
(١) قال صاحب الإستيعاب : ٤ / ٨٨ : «لأبي سفيان أخبار رديئة ذكرها أهل الأخبار» ونحن نشير هنا إلى بعضها ، منها : ذكره صاحب الإستيعاب : ٨٧ «أنّ أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت إليه الخلافة ، وقال له : درها كالكرة ... إنّما هو الملك ، ولا أدري ما جنّة وما نار.
ومنها : ما ذكره صاحب الإصابة : ٢ / ١٧٢ طبعة (١٩٣٩ م) (أنّ أبا سفيان قال في نفسه : ما أدري بم غلبنا محمّد؟ فضرب النّبيّ على ظهره ، وقال : بالله غلبك.
ومنها : ما جاء في العقد الفريد : ٥ / ١٠ طبعة (١٩٥٣ م) (أنّه حين بويع أبو بكر ، قال أبو سفيان : أنّي أرى غبرة لا يطفئها إلّا الدّم ، وجعل يطوف في أزقّة المدينة ويقول : انظر ، تأريخ اليعقوبي : ١ / ١٠٥ ، و : ٢ / ١٢٦ ، تأريخ المدينة : ٣ / ١٠٩٠ ، النّزاع والتّخاصم فيما بين بني أميّة وبني هاشم : ١٠٥.
بني هاشم لا تطمعوا النّاس فيكم |
|
ولا سيما تيم بن مرّة أو عدي |
فما الأمر إلّا فيكم وإليكم |
|
وليس لها إلّا أبو حسن عليّ |
فقال عمر لأبي بكر : أنّ هذا فاعل شرّا ، وكان يتألّفه على الإسلام ، فدع ما بيده من الصّدقة ، ففعل ، فرضي أبو سفيان وبايعه. انظر ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ٤٤٩ ، ابن عبد ربّه : ٣ / ٦٢.
(٢) انظر ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١١٩ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٦٦ ، بلوغ المآرب في نجاة آبائه صلىاللهعليهوآله ، وعمّه أبي طالب تأليف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقّيقنا.
(٣) انظر ، البداية والنّهاية : ٢ / ٣٤٥ ، الكاشف : ٣ / ٢٦٤ ، تقريب التّهذيب : ٢ / ٣٨٤ ، وأخرجه أبو نعيم عن الواقديّ عن شيوخه ، وذكره ابن حجر في الإصابة : ١ / ١٧٩ ، وابن سعد في الطّبقات : ١ / ١٢١ ـ ،