أعرض على الحسين : أن ينزل على حكم بني عمّك ـ يقول : «لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذّليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد. عباد الله : إنّي عذت بربّي وربكم أن ترجمون. أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب ، ألا وإنّ الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين : بين السّلة والذّلّة ، وهيهات منّا الذّلّة ، يأبى الله لنا ذلك ، ورسوله ، والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة لا تؤثر طاعة اللّئام على مصارع الكرام» (١).
ومن عرف حقيقة يزيد ، وعوامله النّفسيّة ، وتربيته لا يشك في شيء من ذلك ...أنّ يزيد ينزع للإنتقام بطبيعته وفطرته ، وبنسبه وتربيته ، ولا يشبع نزعته هذه ، البيعة وغير البيعة ، لا يشبعها إلّا الدّم ، حتّى الدّم لم يشف غليل جدّته هند ... فلاكت كبد الحمزة ، واتّخذت من أطرافه قلادة تتزين بها لجدّه أبي سفيان (٢) ...
__________________
(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٤٢٥ ـ ٤٢٦ طبعة سنة ١٩٦٤ م ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨.
(٢) قتل حمزة والّتمثيل به :
حمزة بن عبد المطّلب يكنى أبا عمارة ، وأبا يعلى ، وهو أسد الله وأسد رسوله صلىاللهعليهوآله عمّ النّبيّ قتله غلام يقال له وحشي مولى مطعم بن جبير ، وقد بعثه مولاه مع قريش وقال له : إن قتلت حمزة بعمّي طعيمة بن عديّ فأنت عتيق ، وجعلت هند بنت عتبة لوحشي جعلا على أن يقتل رسول الله صلىاللهعليهوآله أو عليّا أو حمزة. فقال : أمّا محمّد فلا حيلة فيه ، لأنّ أصحابه يطوفون به. وأمّا عليّ فإنّه إذا قاتل كان أحذر من الذّئب. وأمّا حمزة فأطمع فيه ، لأنّه إذا غضب لا يبصر ما بين يديه ، فقتله وحشي ، وجاءت هند فأمرت بشقّ بطنه وقطع كبده والتّمثيل به ، فجدعوا أنفه واذنيه. وهي الّتي اتخذت من آذان الرّجال وآنافهم وأصابع أيديهم وأرجلهم ومذاكيرهم قلائد ومعاضد ، واعطت وحشي معاضدها وقلائدها جزاء قتله حمزة فلاكة كبده فلم تسفه فلفظته. (انظر ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ١١١ ، الدّرجات الرّفيعة : ٦٦ ـ ٦٩ ، السّيرة النّبويّة لابن هشام : ٣ / ٩٦ ، السّيرة الحلبية : ٢ / ٢٤٦ ، كشف اليقين لابن ـ