وكان هشام بن إسماعيل (١) واليا على المدينة من قبل عبد الملك بن مروان ، وكان أيّام ولايته يتعمّد الإساءة إلى الإمام زين العابدين عليهالسلام ، ولمّا حكم الوليد بعد والده عبد الملك عزل هشاما ، وأمر أن يوقف في طريق عام ، ويعرض للنّاس ، كي يقتص منه كلّ من أساء إليه أيّام ولايته ، فكان الّذين يمرون به من الّذين ظلمهم ، وأساء إليهم يشتمونه ، ويضربونه ، ويطالبونه بردّ ظلامتهم ، وكان أخوف ما يخاف من الإمام زين العابدين عليهالسلام لكثرة ما أساء إليه.
ولكنّ الإمام عليهالسلام جمع أهله وخاصّته ، وأوصاهم أن لا يتعرض له أحد منهم بما يكره ، وكان يمر به فيسلم عليه ، ويلطف به ، ويقول له : انظر ، إلى ما أعجزك من مال تطالب به ، فعندنا ما يسعدك فطب نفسا منّا ومن كلّ من يطيعنا (٢). فقال هشام : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (٣).
وبعد مذبحة كربلاء ثار أهل المدينة على الأمويّين وطردهم منها ، وأراد مروان بن الحكم أن يستودع أهله وأولاده ، ويأمن عليهم عند من يحميهم من القتل ، والتّشريد ، فلم يقبلهم أحد ، فضمّهم الإمام زين العابدين إلى عياله ، وحماهم بكنفه ، وأحسن إليهم ، ودافع عنهم ، ولم يدع أحدا يصل إليهم بسوء (٤).
__________________
ـ أعلام النّبلاء : ٤ / ٣٩٧ ، الطّبقات الكبرى : ٢١٤ ، كشف الغمّة : ٢ / ٧٥.
(١) انظر ، تهذيب التّهذيب : ٧ / ٣٠٦ ، تذكرة الحفّاظ : ١ / ٧١ ، شذرات الذّهب : ١ / ١٠٤.
(٢) انظر ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٦٠ ، تذكرة الخواصّ : ٣٢٨ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٠ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣١٧ ، الكامل في التّأريخ : ٤ / ٥٢٦ ، مختصر تأريخ دمشق : ١٧ / ٢٤ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٥ / ٥٣٣ ، الطّبقات الكبرى : ٥ / ٢٢٠.
(٣) الأنعام : ١٢٤.
(٤) انظر ، صفوة الصّفوة : ٢ / ٥٤ ، تهذيب الكمال : ٣ / ٤٥٤ ، كانت وقعة الحرّة سنة (٦٣ ه).