والجواب : أنّ هذا سمو وترفع عن كلّ ما في هذه الحياة. سمو عن طبائع البشر ، وانفعالات النّاس. وعمّا يشترك فيه أنا ، وأنت ، وغيرنا. أنّ هذا من صنع الإمامة ، والعصمة لا من صنعي وصنعك ، ولا من صنع الّذين يخطبون ويعظون.
لقد عفا محمّد عن أبي سفيان ، وزوّجته هند ، وعن وحشي وغيرهم ، عفا عنهم ، لأنّه مختار من الله لا من النّاس ، وعفا عليّ عن مروان وابن العاصّ ، لأنّه إمام بإرادة السّماء لا بإنتخاب أهل الأرض ، وفعل زين العابدين ما فعل ، لأنّه الإمام ابن الإمام أبي الأئمّة الأطهار القائمين بحجّة الله على جميع خلقه.
فلا بدع إذن أن يحسن الإمام زين العابدين لمن أساء إليه ، ولا عجب أن يفعل الأمويون ما فعلوا ، وإنّما العجب أن لا يحسن الإمام لمن أساء إليه ، وأن لا يسيء الأمويون إلى من أحسن إليهم ، وإلى النّاس أجمعين (١) ، وهذا هو جواب الشّاعر الّذي قال (٢) :
وعليك خزي يا اميّة دائم |
|
يبقى كما في النّار دام بقاك |
فلقد حملت من الآثام جهالة |
|
ما عنه ضاق لمن وعاك وعاك |
__________________
(١) انظر ، صحيح مسلم : ٣ / ١٤٠٨ ح ٨٦ ، سنن أبي داود : ٣ / ١٦٣ ح ٣٠١٢. فهذا أبو سفيان أشدّ عداوة لرّسول الله صلىاللهعليهوآله في محاربته ، وغزواته تشهد بذلك ، وإنّما أسلم على يد العبّاس الّذي منع النّاس من قتله ، وجاء به رديفا ، شرّفه النّبيّ صلىاللهعليهوآله ، وكرّمه فكان جزاء ذلك من بنيه أن حاربوا عليّا عليهالسلام ، وسمّوا الحسن عليهالسلام ، وقتلوا الحسين عليهالسلام ، وحملوا النّساء على الأقتاب حواسرا ، وقيّدوا بالحديد زين العابدين عليهالسلام الّذي لمّا أوقفوه على مدرج جامع دمشق في محلّ عرض السّبايا.
(٢) انظر ، الدّر النّضيد : ٢٤٠ ، الغدير : ٦ / ٥٨١ ، القصيدة للشّيخ عليّ الشّفهيني الحلّي.