(وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (١٣)
____________________________________
حركاتها وأوضاعها من التثليث والتربيع ونحوهما مسخرات لله تعالى أو لما خلقن له بإرادته ومشيئته وحيث لم يكن عود منافع النجوم إليهم فى الظهور بمثابة ما قبلها من الملوين والقمرين لم ينسب تسخيرها إليهم بأداة الاختصاص بل ذكر على وجه يفيد كونها تحت ملكوته تعالى من غير دلالة على شىء آخر ولذلك عدل عن الجملة الفعلية الدالة على الحدوث إلى الاسمية المفيدة للدوام والاستمرار وقرىء برفع الشمس والقمر أيضا وقرىء بنصب النجوم على أنه مفعول أول لفعل مقدر ينبىء عنه الفعل المذكور ومسخرات مفعول ثان له أى وجعل النجوم مسخرات بأمره أو على أنه معطوف على المنصوبات المتقدمة ومسخرات حال من الكل والعامل ما فى سخر من معنى نفع أى نفعكم بها حال كونها مسخرات لله الذى خلقها ودبرها كيف شاء أو لما خلقن له بإيجاده وتقديره أو لحكمه أو مصدر ميمى جمع لاختلاف الأنواع أى أنواعا من التسخير وما قيل من أن فيه إيذانا بالجواب عما عسى يقال أن المؤثر فى تكوين النبات حركات الكواكب وأوضاعها بأن ذلك إن سلم فلا ريب فى أنها أيضا أمور ممكنة الذات والصفات واقعة على بعض الوجوه الممكنة فلا بد لها من موجد مخصص مختار واجب الوجود دفعا للدور والتسلسل فمبناه حسبان ما ذكر أدلة على وجود الصانع تعالى وقدرته واختياره وأنت تدرى أن ليس الأمر كذلك فإنه ليس مما ينازع فيه الخصم ولا يتلعثم فى قبوله قال تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) وقال تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ) الآية وإنما ذلك أدلة التوحيد من حيث إن من هذا شأنه لا يتوهم أن يشاركه شىء فى شىء* فضلا عن أن يشاركه الجماد فى الألوهية (إِنَّ فِي ذلِكَ) أى فيما ذكر من التسخير المتعلق بما ذكر مجملا ومفصلا* (لَآياتٍ) باهرة متكاثرة (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وحيث كانت هذه الآثار العلوية متعددة ودلالة ما فيها من عظيم القدرة والعلم والحكمة على الوحدانية أظهر جمع الآيات وعلقت بمجرد العقل من غير حاجة إلى التأمل والتفكر ويجوز أن يكون المراد لقوم يعقلون ذلك فالمشار إليه حينئذ تعاجيب الدقائق المودعة فى العلويات المدلول عليها بالتسخير التى لا يتصدى لمعرفتها إلا المهرة من أساطين علماء الحكمة ولا ريب فى أن احتياجها إلى التفكر أكثر (وَما ذَرَأَ) عطف على قوله تعالى (وَالنُّجُومُ) رفعا ونصبا على أنه مفعول لجعل أى وما خلق (لَكُمْ فِي الْأَرْضِ) من حيوان ونبات حال كونه (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) أى أصنافه فإن اختلافها غالبا يكون باختلاف اللون مسخر لله تعالى أو لما خلق له من الخواص والأحوال والكيفيات أو جعل ذلك مختلف الألوان أى الأصناف لتتمتعوا من ذلك بأى صنف شئتم وقد عطف على ما قبله من المنصوبات وعقب بأن ذكر الخلق لهم مغن عن ذكر التسخير واعتذر بأن الأول لا يستلزم الثانى لزوما عقليا لجواز كون ما خلق لهم عزيز المرام صعب المنال وقيل هو منصوب بفعل مقدر أى خلق وأنبت على أن قوله (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) حال* من مفعوله (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذى ذكر من التسخيرات ونحوها (لَآيَةً) بينة الدلالة على أن من هذا شأنه* واحد لاند له ولا ضد (لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) فإن ذلك غير محتاج إلا إلى تذكر ما عسى يغفل عنه من العلوم