(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) (٣٠)
____________________________________
اللهُ ما يَشاءُ) من تثبيت بعض وإضلال آخرين حسبما توجبه مشيئته التابعة للحكم البالغة المقتضية لذلك وفى إظهار الاسم الجليل فى الموضعين من الفخامة وتربية المهابة ما لا يخفى مع ما فيه من الإيذان بالتفاوت فى مبدأ التثبيت والإضلال فإن مبدأ صدور كل منهما عنه سبحانه وتعالى من صفاته العلا غير ما هو مبدأ صدور الآخر (أَلَمْ تَرَ) تعجيب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أو لكل أحد مما صنع الكفرة من الأباطيل التى لا تكاد تصدر عمن له أدنى إدراك أى ألم تنظر (إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ) أى شكر نعمته تعالى بأن وضعوا* موضعه (كُفْراً) عظيما وغمطا لها أو بدلوا نفس النعمة كفرا فإنهم لما كفروها سلبوها فصاروا مستبدلين* بها كفرا كأهل مكة حيث خلقهم الله سبحانه وأسكنهم حرمه الآمن الذى يجبى إليه ثمرات كل شىء وجعلهم قوام بيته وشرفهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم فكفروا ذلك فقحطوا سبع سنين وقتلوا وأسروا يوم بدر فصاروا أذلاء مسلوبى النعمة باقين بالكفر بدلها وعن عمر وعلى رضى الله عنهما هم الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية أما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين كأنهما يتأولان ما سيتلى من قوله عزوجل (قُلْ تَمَتَّعُوا) الآية (وَأَحَلُّوا) أى أنزلوا (قَوْمَهُمْ) بإرشادهم إياهم إلى طريقة* الشرك والضلال وعدم التعرض لحلولهم لدلالة الإحلال عليه إذ هو فرع الحلول كقوله تعالى (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ (دارَ الْبَوارِ) دار الهلاك الذى لاهلاك وراءه (جَهَنَّمَ) عطف بيان لها وفى الإبهام ثم البيان ما لا يخفى من التهويل (يَصْلَوْنَها) حال منها أو من قومهم أى داخلين فيها مقاسين لحرها* أو استئناف لبيان كيفية الحلول أو مفسر لفعل يقدر ناصبا لجهنم فالمراد بالإحلال المذكور حينئذ تعريضهم للهلاك بالقتل والأسر لكن قوله تعالى (قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) أنسب بالتفسير الأول (وَبِئْسَ الْقَرارُ) على حذف المخصوص بالذم أى بئس المقر جهنم أو بئس القرار قرارهم فيها وفيه أن حلولهم* وصليهم على وجه الدوام والاستمرار (وَجَعَلُوا) عطف على أحلوا وما عطف عليه داخل معهما فى حين الصلة وحكم التعجيب أى جعلوا فى اعتقادهم وحكمهم (لِلَّهِ) الفرد الصمد الذى ليس كمثله شىء وهو* الواحد القهار (أَنْداداً) أشباها فى التسمية أو فى العبادة (لِيُضِلُّوا) قومهم الذين يشايعونهم حسبما ضلوا* (عَنْ سَبِيلِهِ) القويم الذى هو التوحيد ويوقعوهم فى ورطة الكفر والضلال ولعل تغيير الترتيب مع* أن مقتضى ظاهر النظم أن يذكر كفرانهم نعمة الله تعالى ثم كفرهم بذاته تعالى باتخاذ الأنداد ثم إضلالهم لقومهم المؤدى إلى إحلالهم دار البوار لتثنية التعجيب وتكريره والإيذان بأن كل واحد من وضع الكفر موضع الشكر وإحلال القوم دار البوار واتخاذ الأنداد للإضلال أمر يقضى منه العجب ولو سيق النظم على نسق الوجود لربما فهم التعجيب من مجموع الهنات الثلاث كما فى قصة البقرة وقرىء ليضلوا بالفتح