(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٧٥)
____________________________________
ونظائره والفاء للدلالة على ترتب النهى على ما عدد من النعم الفائضة عليهم من جهته سبحانه وكون ما يشركون به تعالى بمعزل من أن يملك لهم من أقطار السموات والأرض شيئا من رزق ما فضلا عما فصل من نعمة الخلق والتفضيل فى الرزق ونعمة الأزواج والأولاد (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ) تعليل للنهى المذكور ووعيد على* المنهى عنه أى أنه تعالى يعلم كنه ما تأتون وما تذرون وأنه فى غاية العظم والقبح (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك* وإلا لما فعلتموه أو أنه تعالى يعلم كنه الأشياء وأنتم لا تعلمونه فدعوا رأيكم وقفوا مواقف الامتثال لما ورد عليكم من الأمر والنهى ويجوز أن يراد فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك فتقعون فيما تقعون فيه من مهاوى الردى والضلال ثم علمهم كيفية ضرب الأمثال فى هذا الباب فقال (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) أى ذكر وأورد شيئا يستدل به على تباين الحال بين جنابه عز وجل وبين ما أشركوا به وعلى تباعدهما بحيث ينادى بفساد ما ارتكبوه نداء جليا (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) بدل من (مَثَلاً) وتفسير له والمثل فى الحقيقة حالته العارضة له من المملوكية والعجز التام وبحسبها ضرب نفسه مثلا ووصف العبد بالمملوكية للتمييز عن الحر لاشتراكهما فى كونهما عبدان لله سبحانه وقد أدمج فيه أن الكل عبيد له تعالى وبعدم القدرة لتمييزه عن المكاتب والمأذون اللذين لهما تصرف فى الجملة وفى إبهام المثل أولا ثم بيانه بما ذكر مالا يخفى من الفخامة والجزالة (وَمَنْ رَزَقْناهُ) من موصوفة معطوفة* على (عَبْداً) أى رزقناه بطريق الملك والالتفات إلى التكلم للإشعار باختلاف حالى ضرب المثل والرزق (مِنَّا) من جنابنا الكبير المتعالى (رِزْقاً حَسَناً) حلالا طيبا أو مستحسنا عند الناس مرضيا (فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ) تفضلا وإحسانا والفاء لترتيب الإنفاق على الرزق كأنه قيل ومن رزقناه منا رزقا حسنا فأنفق وإيثار ما عليه النظم الكريم من الجملة الاسمية الفعلية الخبر للدلالة على ثبات الإنفاق واستمراره التجددى (سِرًّا وَجَهْراً) أى حال السر والجهر أو إنفاق سر وإنفاق جهر والمراد بيان عموم إنفاقه للأوقات وشمول* إنعامه لمن يجتنب عن قبوله جهرا والإشارة إلى أصناف نعم الله تعالى الباطنة والظاهرة وتقديم السر على الجهر للإيذان بفضله عليه والعدول عن تطبيق القرينتين بأن يقال وحرا مالكا للأموال مع كونه أدل على تباين الحال بينه وبين قسيمه لتوخى تحقيق الحق بأن الأحرار أيضا تحت ربقة عبوديته سبحانه وتعالى وأن مالكيتهم لما يملكونه ليست إلا بأن يرزقهم الله تعالى إياه من غير أن يكون لهم مدخل فى ذلك مع محاولة المبالغة فى الدلالة على ما قصد بالمثل من تباين الحال بين الممثلين فإن العبد المملوك حيث لم يكن مثل العبد المالك فما ظنك بالجماد ومالك الملك خلاق العالمين (هَلْ يَسْتَوُونَ) جمع الضمير للإيذان بأن المراد بما* ذكر من اتصف بالأوصاف المذكورة من الجنسين المذكورين لا فردان معنيان منهما أى هل يستوى العبيد والأحرار الموصوفون بما ذكر من الصفات مع أن الفريقين سيان فى البشرية والمخلوقية لله سبحانه