(فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) (٢٣)
____________________________________
الملك تقريرا لمقالته وتحقيقا لها (كَذلِكِ) أى الأمر كما قلت لك وقوله تعالى (قالَ رَبُّكِ) الخ استئناف مقرر* له أى قال ربك الذى أرسلنى إليك (هُوَ) أى ما ذكرت لك من هبة الغلام من غير أن يمسك بشر أصلا (عَلَيَّ) * خاصة (هَيِّنٌ) وإن كان مستحيلا عادة لما أنى لا أحتاج إلى الأسباب والوسائط وقوله تعالى (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) إما علة لمعلل محذوف أى ولنجعل وهب الغلام آية لهم وبرهانا يستدلون به على كمال قدرتنا نفعل ذلك أو معطوف على علة أخرى مضمرة أى لنبين به عظم قدرتنا ولنجعله آية الخ والواو على الأول اعتراضية والالتفات إلى نون العظمة لإظهار كمال الجلالة (وَرَحْمَةً) عظيمة كائنة (مِنَّا) عليهم يهتدون* بهدايته ويسترشدون بإرشاده (وَكانَ) ذلك (أَمْراً مَقْضِيًّا) محكما قد تعلق به قضاؤنا الأزلى أو قدر* وسطر فى اللوح لا بد من جريانه عليك البتة أو كان أمرا حقيقا بأن يقضى ويفعل لتضمنه حكما بالغة* (فَحَمَلَتْهُ) بأن نفخ جبريل عليه الصلاة والسلام فى درعها فدخلت النفخة فى جوفها قيل إنه عليه الصلاة والسلام رفع درعها فنفخ فى جيبه فحملت وقيل نفخ عن بعد فوصل الريح إليها فحملت فى الحال وقيل إن النفخة كانت فى فيها وكانت مدة حملها سبعة أشهر وقيل ثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانية أشهر غيره وقيل تسعة أشهر وقيل ثلاث ساعات وقيل ساعة كما حملت وضعته وسنها حينئذ ثلاث عشرة سنة وقيل عشر سنين وقد حاضت حيضتين (فَانْتَبَذَتْ بِهِ) أى فاعتزلت وهو فى بطنها كما فى قوله [تدوس بنا الجماجم والتريبا] فالجار والمجرور فى حين النصب على الحالية أى فانتبذت ملتبسة به (مَكاناً قَصِيًّا) بعيدا من أهلها وراء الجبل وقيل أقصى الدار وهو الأنسب بقصر مدة الحمل (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ) ٢٣ أى فألجأها وهو فى الأصل منقول من جاء لكنه لم يستعمل فى غيره كآتى فى أعطى وقرىء المخاض بكسر الميم وكلاهما مصدر مخضت المرأة إذا تحرك الولد فى بطنها للخروج (إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ) لتستتر به وتعتمد* عليه عند الولادة وهو ما بين العرق والغصن وكانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا خضرة وكان الوقت شتاء والتعريف إما للجنس أو للعهد إذ لم يكن ثمة غيرها وكانت كالمتعالم عند الناس ولعله تعالى ألهمها ذلك ليريها من آياتها ما يسكن روعتها ويطعمها الرطب الذى هو خرسة النفساء الموافقة لها (قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ) بكسر* الميم من مات يمات كخفت وقرىء بضمها من مات يموت (قَبْلَ هذا) أى هذا الوقت الذى لقيت فيه ما لقيت* وإنما قالته مع أنها كانت تعلم ما جرى بينها وبين جبريل عليهالسلام من الوعد الكريم استحياء من الناس وخوفا من لائمتهم أو حذارا من وقوع الناس فى المعصية بما تكلموا فيها أو جريا على سنن الصالحين عند اشتداد الأمر عليهم كما روى عن عمر رضى الله عنه أنه أخذ تبنة من الأرض فقال يا ليتنى هذه التبنة ولم أكن شيئا وعن بلال أنه قال ليت بلال لم تلده أمه (وَكُنْتُ نَسْياً) أى شيئا تافها شأنه أن ينسى ولا يعتد* به أصلا وقرىء بالكسر قيل هما لغتان فى ذلك كالوتر والوتر وقيل هو بالكسر اسم لما ينسى كالنقض اسم