(وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) (٦)
____________________________________
(وَإِنْ تَعْجَبْ) يا محمد من شىء (فَعَجَبٌ) لا أعجب منه حقيق بأن يقصر عليه التعجب (قَوْلُهُمْ) بعد مشاهدة* ما عدد لك من الآيات الشاهدة بأنه تعالى على كل شىء قدير (أَإِذا كُنَّا تُراباً) على طريقة الاستفهام الإنكارى المفيد لكمال الاستبعاد والاستنكار وهو فى محل الرفع على البدلية من قولهم على أنه بمعنى المقول أو فى محل النصب على المفعولية منه على أنه مصدر فالعجب على الأول كلامهم وعلى الثانى تكلمهم بذلك* والعامل فى إذا ما دل عليه قوله (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) وهو نبعث أو نعاد وتقديم الظرف لتقوية الإنكار بالبعث بتوجيهه إليه فى حالة منافية له وتكرير الهمزة فى قولهم أئنا لتأكيد الإنكار وليس مدار إنكارهم كونهم ثابتين فى الخلق الجديد بالفعل عند كونهم ترابا بل كونهم بعريضة ذلك واستعدادهم له وفيه من الدلالة على عتوهم وتماديهم فى النكير ما لا يخفى وقيل وإن تعجب من قولهم فى إنكار البعث فعجب قولهم والمآل وإن تعجب فقد تعجبت فى موضع التعجب وقيل وإن تعجب من إنكارهم البعث فعجب قولهم الدال عليه فتأمل وقد جوز كون الخطاب لكل من يصلح له أى إن تعجب يا من ينظر فى هذه الآيات من قدرة من هذه أفعاله فازدد تعجبا ممن ينكر مع هذه الدلائل قدرته تعالى على البعث وهو أهون من هذه والأنسب بقوله (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ) هو الأول وقوله تعالى (فَعَجَبٌ) خبر قدم على المبتدأ للقصر والتسجيل من أول الأمر بكون قولهم ذاك أمرا عجيبا ويجوز أن يكون مبتدأ لكونه موصوفا بالوصف المقدر كما أشير إليه فالمعنى وإن تعجب فالعجب الذى لا عجب وراءه قولهم هذا فاعجب منه وعلى الأول* وإن تعجب فقولهم هذا عجب لا عجب فوقه (أُولئِكَ) مبتدأ والموصول خبره أى أولئك المنكرون لقدرته* تعالى على البعث ربثما عاينوا ما فصل من الآيات الباهرة الملجئة لهم إلى الإيمان لو كانوا يبصرون (الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) وتمادوا فى ذلك فإن إنكارهم لقدرته عزوجل كفر به وأى كفر (وَأُولئِكَ) مبتدأ خبره* قوله (الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) أى مقيدون بقيود الضلال لا يرجى خلاصهم أو مغلولون يوم القيامة* (وَأُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر من الصفات (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) لا ينفكون عنها وتوسيط ضمير الفصل ليس لتخصيص الخلود بمنكرى البعث خاصة بل بالجميع المدلول عليه بقوله تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ) بالعقوبة التى أنذروها وذلك حين سألوار ول الله صلىاللهعليهوسلم أن* يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بانذاره (قَبْلَ الْحَسَنَةِ) أى العافية والإحسان إليهم بالإمهال (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) أى عقوبات أمثالهم من المكذبين فما لهم لا يعتبرون بها ولا يحترزون حلول مثلها