(وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) (١٠١)
____________________________________
وجل بعد بيان سعة رحمته (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي) أى وعده المعهود أو كل ما وعد به فيدخل فيه ذلك دخولا* أوليا (حَقًّا) ثابتا لا محالة واقعا البتة وهذه الجملة تذييل من ذى القرنين لما ذكره من الجملة الشرطية ومقرر* مؤكد لمضمونها وهو آخر ما حكى من قصته وقوله عزوجل (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ) كلام مسوق من جنابه تعالى معطوف على قوله تعالى (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) ومحقق لمضمونه أى جعلنا بعض الخلائق (يَوْمَئِذٍ) أى يوم إذ جاء الوعد* بمجىء بعض مباديه (يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) آخر منهم يضطربون اضطراب أمواج البحر ويختلط إنسهم وجنهم* حيارى من شدة الهول ولعل ذلك قبل النفخة الأولى أو تركنا بعض يأجوج ومأجوج يموج فى بعض آخر منهم حين يخرجون من السد مزدحمين فى البلاد روى أنهم يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الشجر ومن ظفروا به ممن لم يتحصن منهم من الناس ولا يقدرون أن يأتوا مكة والمدينة وبيت المقدس ثم يبعث الله عزوجل نغفا فى أقفائهم فيدخل آذانهم فيموتون موت نفس واحدة فيرسل الله تعالى عليهم طيرا فتلقيهم فى البحر ثم يرسل مطرا يغسل الأرض ويطهرها من نتنهم حتى يتركها كالزلفة ثم يوضع فيها البركة وذلك بعد نزول عيسى عليه الصلاة والسلام وقتل الدجال (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) هى النفخة الثانية بقضية الفاء فى قوله تعالى (فَجَمَعْناهُمْ) ولعل عدم التعرض لذكر النفخة الأولى* لأنها داهية عامة ليس فيها حالة مختصة بالكفار ولئلا يقع الفصل بين ما يقع فى النشأة الأولى من الأحوال والأهوال وبين ما يقع منها فى النشأة الاخرة أى جمعنا الخلائق بعد ما تفرقت أوصالهم وتمزقت أجسادهم فى صعيد واحد للحساب والجزاء (جَمْعاً) أى جمعا عجيبا لا يكتنه كنهه (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ) أى أظهرناها وأبرزناها (يَوْمَئِذٍ) أى يوم إذ جمعنا الخلائق كافة (لِلْكافِرِينَ) منهم حيث جعلناها بحيث يرونها ويسمعون* لها تغيظا وزفيرا (عَرْضاً) أى عرضا فظيعا هائلا لا يقادر قدره وتخصيص العرض بهم مع أنها بمرأى من* أهل الجمع قاطبة لأن ذلك لأجلهم خاصة (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ) وهم فى الدنيا (فِي غِطاءٍ) كثيف وغشاوة غليظة محاطة بذاك من جميع الجوانب (عَنْ ذِكْرِي) عن الآيات المؤدية لأولى الأبصار المتدبرين فيها إلى* ذكرى بالتوحيد والتمجيد أو كانت أعين بصائرهم فى غطاء عن ذكرى على وجه يليق بشأنى أو عن القرآن الكريم (وَكانُوا) مع ذلك (لا يَسْتَطِيعُونَ) لفرط تصامهم عن الحق وكمال عداوتهم للرسول صلىاللهعليهوسلم (سَمْعاً) * استماعا لذكرى وكلامى الحق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهذا تمثيل لإعراضهم عن الأدلة السمعية كما أن الأول تصوير لتعاميهم عن الآيات المشاهدة بالأبصار والموصول نعت للكافرين أو بدل منه أو بيان جىء به لذمهم بما فى حين الصلة وللإشعار بعليته لإصابة ما أصابهم من عرض جهنم لهم