(فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) (٩٨)
____________________________________
فى السمك على النهج المحكى قيل كان ارتفاعه مائتى ذراع وعرضه خمسين ذراعا وقرىء سوى من التسوية* وسووى على البناء للمجهول (قالَ) للعملة (انْفُخُوا) أى بالكيران فى الحديد المبنى ففعلوا (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ) * أى المنفوخ فيه (ناراً) أى كالنار فى الحرارة والهيئة وإسناد الجعل المذكور إلى ذى القرنين مع أنه فعل* الفعلة للتنبيه على أنه العمدة فى ذلك وهم بمنزلة الآلة (قالَ) للذين يتولون أمر النحاس من الإذابة ونحوها* (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) أى آتونى قطرا أى نحاسا مذابا أفرغ عليه قطرا فحذف الأول لدلالة الثانى عليه وقرىء بالوصل أى جيئونى كأنه يستدعيهم للإعانة باليد عند الإفراغ وإسناد الإفراغ إلى نفسه للسر الذى وقفت عليه آنفا وكذا الكلام فى قوله تعالى (ساوى) وقوله تعالى (أَجْعَلْ) (فَمَا اسْطاعُوا) بحذف تاء الافتعال تخفيفا وحذرا عن تلاقى المتقاربين وقرىء بالإدغام وفيه جمع بين الساكنين على غير حده وقرىء بقلب السين صادا والفاء فصيحة أى فعلوا ما أمروا به من إيتاء القطر أو الإتيان فأفرغه عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض فصار جبلا صلدا فجاء يأجوج ومأجوج فقصدوا أن يعلوه وينقبوه فما استطاعوا (أَنْ يَظْهَرُوهُ) أى يعلوه ويرقوا فيه لارتفاعه وملاسته (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) لصلابته وثخانته وهذه معجزة عظيمة لأن تلك الزبر الكثيرة إذا أثرت فيها حرارة النار لا يقدر الحيوان على أن يحوم حولها فضلا عن النفخ فيها إلى أن تكون كالنار أو عن إفراغ القطر عليها فكأنه سبحانه وتعالى صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك المباشرين للأعمال فكان ما كان والله على كل شىء قدير وقيل بناه من الصخور مرتبطا بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب فى تجاويفها بحيث لم يبق هناك فرجة أصلا (قالَ) أى ذو القرنين لمن عنده من أهل تلك الديار وغيرهم (هذا) إشارة إلى السد وقيل إلى تمكينه من بنائه والفضل للمتقدم أى هذا الذى ظهر على يدى وحصل بمباشرتى من السد الذى شأنه ما ذكر من المتانة وصعوبة المنال (رَحْمَةٌ) أى أثر رحمة عظيمة عبر عنه بها مبالغة (مِنْ رَبِّي) على كافة العباد لا سيما على مجاوريه وفيه إيذان بأنه ليس من قبيل الآثار الحاصلة بمباشرة الخلق عادة بل هو إحسان إلهى محض وإن ظهر بمباشرتى والتعرض لوصف الربوبية لتربية معنى الرحمة (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) مصدر بمعنى المفعول وهو يوم القيامة لا خروج يأجوج ومأجوج كما قيل إذ لا يساعده النظم الكريم والمراد بمجيئة ما ينتظم مجيئه ومجىء مباديه من خروجهم وخروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام ونحو ذلك لا دنو وقوعه فقط كما قيل فإن بعض الأمور التى ستحكى تقع بعد مجيئه حتما (جَعَلَهُ) أى السد المشار إليه مع متانته ورصانته وفيه من الجزالة ما ليس فى توجيه الإشارة السابقة إلى التمكين المذكور (دَكَّاءَ) أى أرضا مستوية وقرىء دكا أى مدكوكا مسوى بالأرض وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقد اندك ومنه الجمل الأدك أى المنبسط السنام وهذا الجعل وقت مجىء الوعد بمجىء بعض مباديه وفيه بيان لعظم قدرته عز