(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (٣٣) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) (٣٤)
____________________________________
أى متكأ (وَاضْرِبْ لَهُمْ) أى للفريقين الكافر والمؤمن (مَثَلاً رَجُلَيْنِ) مفعولان لا ضرب أولهما ثانيهما لأنه المحتاج إلى التفصيل والبيان أى اضرب للكافرين والمؤمنين لا من حيث أحوالهما المستفادة مما ذكر آنفا من أن للأولين فى الآخرة كذا وللآخرين كذا بل من حيث عصيان الأولين مع تقلبهم فى نعم الله تعالى وطاعة الآخرين مع مكابدتهم مشاق الفقر مثلا حال رجلين مقدرين أو محققين هما أخوان من بنى إسرائيل أو شريكان كافر اسمه قطروس ومؤمن اسمه يهوذا اقتسما ثمانية آلاف دينار فاشترى الكافر بنصيبه ضياعا وعقارا وصرف المؤمن نصيبه إلى وجوه المبار فآل أمرهما إلى ما حكاه الله تعالى وقيل هما أخوان من بنى مخزوم كافر هو الأسود بن عبد الأسد ومسلم هو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد زوج أم سلمة رضى الله عنها أولا (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما) وهو الكافر (جَنَّتَيْنِ) بستانين (مِنْ أَعْنابٍ) من كروم متنوعة والجملة* بتمامها بيان للتمثيل أو صفة لرجلين (وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ) أى جعلنا النخل محيطة بهما مؤزرا بها كرومهما* يقال حفه القوم إذا طافوا به وحففته بهم جعلتهم حافين حوله فيزيده الباء مفعولا آخر كقولك غشيته به (وَجَعَلْنا بَيْنَهُما) وسطهما (زَرْعاً) ليكون كل منهما جامعا للأفوات والفواكه متواصل العمارة على الهيئة* الرائقة والوضع الأنيق (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) ثمرها وبلغت مبلغا صالحا للأكل وقرىء بسكون الكاف وقرىء كل الجنتين آتى أكله (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ) لم تنقص من أكلها (شَيْئاً) كما يعهد ذلك فى سائر البساتين* فإن الثمار غالبا تكثر فى عام وتقل فى آخر وكدا بعض الأشجار يأتى بالثمر فى بعض الأعوام دون بعض (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما) فيما بين كل من الجنتين (نَهَراً) على حدة ليدوم شربهما ويزيد بهاؤهما وقرىء بالتخفيف* ولعل تأخير ذكر تفجير النهر عن ذكر إيتاء الأكل مع أن الترتيب الخارجى على العكس للإيذان باستقلال كل من إيتاء الأكل وتفجير النهر فى تكميل محاسن الجنتين كما فى قصة البقرة ونحوها ولو عكس لانفهم أن المجموع خصلة واحدة بعضها مترتب على بعض فإن إيتاء الأكل متفرع على السقى عادة وفيه إيماء إلى أن إيتاء الأكل لا يتوقف على السقى كقوله تعالى (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) (وَكانَ لَهُ) لصاحب الجنتين (ثَمَرٌ) أنواع من المال غير الجنتين من ثمر ماله إذا كثره قال ابن عباس رضى الله عنهما هو* جميع المال من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك وقال مجاهد هو الذهب والفضة خاصة (فَقالَ لِصاحِبِهِ) * المؤمن (وَهُوَ) أى القائل (يُحاوِرُهُ) أى صاحبه المؤمن وإن جاز العكس أى يراجعه فى الكلام من حار* إذا رجع (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) حشما وأعوانا أو أولادا ذكورا لأنهم الذين ينفرون معه