(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) (٣١)
____________________________________
المأمور به والمعنى قل لهم ذلك وبعد ذلك من شاء أن يؤمن به أو أن يصدقك فيه فليؤمن ومن شاء أن* يكفر به أو يكذبك فيه فليفعل فقوله تعالى (إِنَّا أَعْتَدْنا) وعيد شديد وتأكيد للتهديد وتعليل لما يفيده من الزجر عن الكفر أو لما يفهم من ظاهر التخيير من عدم المبالاة بكفرهم وقلة الاهتمام بزجرهم عنه فإن إعداد جزائه من دواعى الإملاء والإمهال وعلى الوجه الأول هو تعليل للأمر بما ذكر من التخيير* التهديدى أى قل لهم ذلك إنا أعتدنا (لِلظَّالِمِينَ) أى هيأنا للكافرين بالحق بعد ما جاء من الله سبحانه والتعبير* عنهم بالظالمين للتنبيه على أن مشيئة الكفر واختياره تجاوز عن الحد ووضع للشىء فى غير موضعه (ناراً) * عظيمة عجيبة (أَحاطَ بِهِمْ) أى يحيط بهم وإيثار صيغة الماضى للدلالة على التحقق (سُرادِقُها) أى فسطاطها شبه به ما يحيط بهم من النار وقيل السرادق الحجرة التى تكون حول الفسطاط وقيل سرادقها دخانها* وقيل حائط من نار (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا) من العطش (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) كالحديد المذاب وقيل كدردى* الزيت وهو على طريقة قوله فاعتبوا بالصيلم (يَشْوِي الْوُجُوهَ) إذا قدم ليشرب انشوى الوجه لحرارته* عن النبى صلىاللهعليهوسلم هو كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه (بِئْسَ الشَّرابُ) ذلك (وَساءَتْ) النار* (مُرْتَفَقاً) متكأ وأصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد وأنى ذلك فى النار وإنما هو بمقابلة قوله تعالى (حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) فى محل التعليل للحث على الإيمان المنفهم من التخيير كأنه قيل وللذين آمنوا ولعل تغيير سبكه للإيذان بكمال تنافى مآلى الفريقين أى إن الذين آمنوا بالحق الذى أوحى إليك* (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) حسبما بين فى تضاعيفه (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) خبر إن الأولى هى الثانية مع ما فى حيزها والراجع محذوف أى من أحسن منهم عملا أو مستغنى عنه كما فى قولك نعم الرجل زيد أو واقع موقعه الظاهر فإن من أحسن عملا فى الحقيقة هو الذى آمن وعمل الصالحات (أُولئِكَ) المنعوتون بالنعوت الجليلة (لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) استئناف لبيان الأجر أو هو الخبر وما بينهما اعتراض أو هو خبر بعد خبر (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) من الأولى ابتدائية والثانية بيانية صفة لأساور والنكير للتفخيم وهو جمع أسورة أو أسور جمع سوار (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً) خصت الخضرة بثيابهم لأنها أحسن الألوان وأكثرها طراوة (مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) أى ممارق من* الديباج وما غلظ جمع بين النوعين للدلالة على أن فها ما تشتهى الأنفس وتلذ الأعين (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) على السرر على ما هو شأن المتنعمين (نِعْمَ الثَّوابُ) ذلك (وَحَسُنَتْ) أى الأرائك (مُرْتَفَقاً)