(ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) (٥١)
____________________________________
* بدل طاعتى (وَهُمْ) أى والحال أن إبليس وذريته (لَكُمْ عَدُوٌّ) أى أعداءكما فى قوله تعالى (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) وقوله تعالى (هُمُ الْعَدُوُّ) وإنما فعل به ذلك تشبيها له بالمصدر نحو القبول والولوع وتقيد الاتخاذ* بالجملة الحالية لتأكيد الإنكار وتشديده فإن مضمونها مانع من وقوع الاتخاذ ومناف له قطعا (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ) أى الواضعين للشىء فى غير موضعه (بَدَلاً) من الله سبحانه إبليس وذريته وفى الالتفات إلى الغيبة مع وضع الظالمين موضع الضمير من الإيذان بكمال السخط والإشارة إلى أن ما فعلوه ظلم قبيح مالا ٥١ يخفى (ما أَشْهَدْتُهُمْ) استئناف مسوق لبيان عدم استحقاقهم للاتخاذ المذكور فى أنفسهم بعد بيان الصوارف* عن ذلك من خباثة المحتد والفسق والعداوة أى ما أحضرت إبليس وذريته (خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) * حيث خلقتهما قبل خلقهم (وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) أى ولا أشهدت بعضهم خلق بعض كقوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) هذا ما أجمع عليه الجمهور حذارا من تفكيك الضميرين ومحافظة على ظاهر لفظ الأنفس ولك أن ترجع الضمير الثانى إلى الظالمين وتلتزم التفكيك بناء على قود المعنى إليه فإن نفى إشهاد الشياطين خلق الذين يتولونهم هو الذى يدور عليه إنكار اتخاذهم أولياء بناء على أن أدنى ما يصحح التولى حضور الولى خلق المتولى وحيث لا حضور لا مصحح للتولى قطعا وأما نفى إشهاد بعض الشياطين خلق بعض منهم فليس من مدارية الإنكار المذكور فى شىء على أن إشهاد بعضهم خلق بعض إن كان مصححا لتولى الشاهد بناء على دلالته على كماله باعتبار أن له مدخلا فى خلق المشهود فى الجملة فهو مخل بتولى المشهود بناء على قصوره عمن شهد خلقه فلا يكون نفى الإشهاد المذكور متمحضا فى نفى الكمال المصحح للتولى عن الكل وهو المناط* للإنكار المذكور (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ) أى متخذهم وإنما وضع موضعه المظهر ذما لهم وتسجيلا عليهم بالإضلال وتأكيدا لما سبق من إنكار اتخاذهم أولياء (عَضُداً) أعوانا فى شأن الخلق أو فى شأن من شئونى حتى يتوهم شركتهم فى التولى بناء على الشركة فى بعض أحكام الربوبية وفيه تهكم بهم وإيذان بكمال ركاكة عقولهم وسخافة آرائهم حيث لا يفهمون هذا الأمر الجلى الذى لا يكاد يشتبه على البله والصبيان فيحتاجون إلى التصريح به وإيثار نفى الإشهاد على نفى شهودهم ونفى اتخاذهم أعوانا على نفى كونهم كذلك للإشعار بأنهم مقهورون تحت قدرته تعالى تابعون لمشيئته وإرادته فيهم وأنهم بمعزل من استحقاق الشهود والمعونة من تلقاء أنفسهم من غير إحضار واتخاذ وإنما قصارى ما يتوهم فى شأنهم أن يبلغوا ذلك المبلغ بأمر الله عزوجل ولم يكد ذلك يكون وقيل الضمير للمشركين والمعنى ما أشهدتهم خلق ذلك وما أطلعتهم على أسرار التكوين وما خصصتهم بفضائل لا يحويها غيرهم حتى يكونوا قدوة للناس فيؤمنوا بإيمانهم كما يزعمون فلا يلتفت إلى قولهم طمعا فى نصرتهم للدين فإنه لا ينبغى لى أن أعتضد بالمضلين ويعضده القراءة بفتح التاء خطابا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم والمعنى ما صح لك الاعتضاد بهم ووصفهم بالإضلال