(وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً) (٥٥)
____________________________________
لتعليل نفى الاتخاذ وقرىء متخذا المضلين على الأصل وقرىء عضدا بضم العين وسكون الضاد وبفتح وسكون بالتخفيف وبضمتين بالإتباع وبفتحتين على أنه جمع عاضد كرصد وراصد (وَيَوْمَ يَقُولُ) أى الله عزوجل للكافرين توبيخا وتعجيزا وقرىء بنون العظمة (نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) أنهم شفعاؤكم* ليشفعوا لكم والمراد بهم كل ما عبد من دونه تعالى وقيل إبليس وذريته (فَدَعَوْهُمْ) أى نادوهم للإغاثة وفيه* بيان لكمال اعتنائهم بإعانتهم على طريقة الشفاعة إذ معلوم أن لا طريق إلى المدافعة (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) * فلم يغيثوهم إذ لا إمكان لذلك وفى إيراده مع ظهوره تهكم بهم وإيذان بأنهم فى الحماقة بحيث لا يفهمونه إلا بالتصريح به (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) بين الداعين والمدعوين (مَوْبِقاً) اسم مكان أو مصدر من وبق وبوقا* كوثب وثوبا أو وبق وبقا كفرح فرحا إذا هلك أى مهلكا يشتركون فيه وهو النار أو عداوة هى فى الشدة نفس الهلاك كقول عمر رضى الله عنه لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا وقيل البين الوصل أى وجعلنا تواصلهم فى الدنيا هلاكا فى الآخرة ويجوز أن يكون المراد بالشركاء الملائكة وعزير أو عيسى عليهمالسلام ومريم وبالموبق البرزخ البعيد أى جعلنا بينهم أمدا بعيدا يهلك فيه الأشواط لفرط بعده لأنهم فى قعر جهنم وهم فى أعلى الجنانئ (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) وضع المظهر مقام المضمر تصريحا بإجرامهم وذما لهم بذلك (فَظَنُّوا) أى فأيقنوا (أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) مخالطوها واقعون فيها أو ظنوا إذ رأوها من مكان بعيد أنهم مواقعوها الساعة (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) انصرافا أو معدلا ينصرفون إليه (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) أى كررنا وأوردنا على وجوه كثيرة من النظم (فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ) لمصلحتهم ومنفعتهم (مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) من جملته ما مر من مثل الرجلين ومثل الحياة الدنيا أو من كل نوع من أنواع المعانى البديعة الداعية إلى الإيمان التى هى فى الغرابة والحسن واستجلاب النفس كالمثل ليتلقوه بالقبول فلم يفعلوا (وَكانَ الْإِنْسانُ) بحسب جبلته (أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) أى أكثر الأشياء التى يتأتى منها الجدل وهو ههنا شدة الخصومة بالباطل والمماراة من الجدل الذى هو الفتل والمجادلة الملاواة لأن كلا من المجادلين يلتوى على صاحبه وانتصابه على التمييز والمعنى أن جدله أكثر من جدل كل مجادل (وَما مَنَعَ النَّاسَ) أى أهل مكة الذين حكيت أباطيلهم (أَنْ يُؤْمِنُوا) من أن يؤمنوا بالله تعالى ويتركوا ما هم فيه من الإشراك (إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) أى القرآن العظيم الهادى إلى الإيمان بما فيه من فنون المعانى الموجبة له (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) عما فرط منهم من أنواع الذنوب