(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) (٩١)
____________________________________
الكتاب ولم يضر ما فى البعض من الخفاء فى كونه تبيانا فإن المبالغة باعتبار الكمية دون الكيفية كما قيل فى قوله تعالى (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) إنه من قولك فلان ظالم لعبده وظلام لعبيده ومنه قوله سبحانه (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ* (وَهُدىً وَرَحْمَةً) للعالمين فإن حرمان الكفر من مغانم آثاره من تفريطهم لا من جهة الكتاب (وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) خاصة أو يكون كل ذلك خاصا بهم لأنهم المنتفعون بذلك (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ) أى فيما نزله تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين وإيثار صيغة الاستقبال فيه وفيما بعده* لإفادة التجدد والاستمرار (بِالْعَدْلِ) بمراعاة التوسط بين طرفى الإفراط والتفريط وهو رأس الفضائل كلها يندرج تحته فضيلة القوة العقلية الملكية من الحكمة المتوسطة بين الحر مرة والبلادة وفضيلة القوة الشهوية البهيمية من العفة المتوسطة بين الخلاعة والخمود وفضيلة القوة الغضبية السبعية من الشجاعة المتوسطة بين التهور والجبن فمن الحكم الاعتقادية التوحيد المتوسط بين التعطيل والتشريك نقل عن ابن عباس رضى الله عنهما أن العدل هو التوحيد والقول بالكسب المتوسط بين الجبر والقدر ومن الحكم العملية التبعد بأداء الواجبات المتوسط بين البطالة والترهب ومن الحكم الخليقية الجود المتوسط* بين البخل والتبذير (وَالْإِحْسانِ) أى الإتيان بما أمر به على الوجه اللائق وهو إما بحسب الكمية كالتطوع بالنوافل أو بحسب الكيفية كما يشير إليه قوله عليه الصلاة والسلام الإحسان أن تعبد الله* كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) أى إعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه وهو* تخصيص إثر تعميم اهتماما بشأنه (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) الإفراط فى مشايعة القوة الشهوية كالزنا مثلا* (وَالْمُنْكَرِ) ما ينكر شرعا أو عقلا من الإفراط فى إظهار آثار القوة الغضبية (وَالْبَغْيِ) الاستعلاء والاستيلاء على الناس والتجبر عليهم وهو من آثار القوة الوهمية الشيطانية التى هى حاصلة من رذيلتى القوتين المذكورتين الشهوية والغضبية وليس فى البشر شر إلا وهو مندرج فى هذه الأقسام صادر عنه بواسطة هذه القوى الثلاث ولذلك قال ابن مسعود رضى الله عنه هى أجمع آية فى القرآن للخير* والشر ولو لم يكن فيه غير هذه الآية الكريمة لكفت فى كونه تبيانا لكل شىء وهدى (يَعِظُكُمْ) بما يأمر* وينهى وهو إما استئناف وإما حال من الضميرين فى الفعلين (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) طلبا لأن تتعظوا بذلك (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ) هو البيعة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنها مبايعة لله سبحانه لقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ (إِذا عاهَدْتُمْ) أى حافظوا على حدود ما عاهدتم الله عليه وبايعتم به رسول الله صلىاللهعليهوسلم