(وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٩٣)
____________________________________
(وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ) التى تحلفون بها عند المعاهدة (بَعْدَ تَوْكِيدِها) حسبما هو المعهود فى أثناء العهود* لا على أن يكون النهى مقيدا بالتوكيد مختصا به (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) شاهدا رقيبا فإن الكفيل* مراع لحال المكفول به محافظ عليه (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) من نقض الأيمان والعهود فيجازيكم على* ذلك (وَلا تَكُونُوا) فيما تصنعون من النقض (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) أى ما غزلته مصدر بمعنى المفعول (مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) متعلق ب (نَقَضَتْ) أى كالمرأة التى نقضت غزلها من بعد إبرامه وإحكامه (أَنْكاثاً) طاقات* نكثت فتلها جمع نكث وانتصابه على الحالية من غزلها أو على أنه مفعول ثان لنقضت فإنه بمعنى صيرت والمراد تقبيح حال النقض بتشبيه الناقض بمثل هذه الخرقاء المعتوهة. قيل هى ريطة بنت سعد بن تيم وكانت خرقاء اتخذت مغزلا قدر ذراع وصنارة مثل أصبع وفلكة عظيمة على قدرها فكانت تغزل هى وجواريها من الغداة إلى الظهر ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) حال من* الضمير فى لا تكونوا أو فى الجار والمجرور الواقع موقع الخبر أى مشابهين لامرأة شأنها هذا حال كونكم متخذين أيمانكم مفسدة ودخلا بينكم وأصل الدخل ما يدخل الشىء ولم يكن منه (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ) أى بأن* تكون جماعة (هِيَ أَرْبى) أى أزيد عددا وأوفر مالا (مِنْ أُمَّةٍ) من جماعة أخرى أى لا تغدروا بقوم* لكثرتكم وقلتهم أو لكثرة منابذيهم وقوتهم كقريش فإنهم كانوا إذا رأوا شوكة فى أعادى حلفائهم نقضوا عهدهم وحالفوا أعداءهم (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) أى بأن تكون أمة أربى من أمة أى يعاملكم بذلك معاملة من يختبركم لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وبيعة رسوله صلىاللهعليهوسلم أم تغترون بكثرة قريش وشوكتهم وقلة المؤمنين وضعفهم بحسب ظاهر الحال (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) حين* جازاكم بأعمالكم ثوابا وعقابا (وَلَوْ شاءَ اللهُ) مشيئة قسر وإلجاء (لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) متفقة على الإسلام (وَلكِنْ) لا يشاء ذلك لكونه مزاحما لقضية الحكمة بل (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) إضلاله أى يخلق فيه الضلال حسبما يصرف اختياره الجزئى إليه (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) هدايته حسبما يصرف اختياره إلى تحصيلها (وَلَتُسْئَلُنَّ) جميعا يوم القيامة (عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فى الدنيا وهذا إشارة إلى ما لوح به من الكسب الذى عليه يدور أمر الهداية والضلال.