(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً (١٦) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) (١٧)
____________________________________
(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ) أى فارقتموهم فى الاعتقاد أو أردتم الاعتزال الجسمانى (وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) عطف على الضمير المنصوب وما موصولة أو مصدرية أى إذ اعتزلتموهم ومعبوديهم إلا الله أو وعبادتهم إلا عبادة الله وعلى التقديرين فالاستثناء متصل على تقدير كونهم مشركين كأهل مكة ومنقطع على تقدير تمحضهم فى عبادة الأوثان ويجوز كون ما نافية على أنه إخبار من الله تعالى عن الفتية بالتوحيد معترض بين إذ وجوابه (فَأْوُوا) أى التجئوا (إِلَى الْكَهْفِ) قال الفراء هو جواب إذ كما تقول إذ فعلت فافعل* كذا وقيل هو دليل على جوابه أى إذ اعتزلتموهم اعتزالا اعتقاديا فاعتزلوهم اعتزالا جسمانيا أو إذا أردتم اعتزالهم فافعلوا ذلك بالالتجاء إلى الكهف (يَنْشُرْ لَكُمْ) يبسط لكم ويوسع عليكم (رَبُّكُمْ) مالك أمركم* (مِنْ رَحْمَتِهِ) فى الدارين (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ) يسهل لكم (مِنْ أَمْرِكُمْ) الذى أنتم بصدده من الفرار بالدين (مِرْفَقاً) * ما ترتفقون وتنتفعون به وقرىء بفتح الميم وكسر الفاء مصدرا كالمرجع وتقديم لكم فى الموضعين لما مر مرارا من الإيذان من أول الأمر بكون المؤخر من منافعهم والتشويق إلى وروده (وَتَرَى الشَّمْسَ) بيان لحالهم بعد ما أووا إلى الكهف ولم يصرح به إيذانا بعدم الحاجة إليه لظهور جريانهم على موجب الأمر به لكونه صادرا عن رأى صائب وتعويلا على ما سلف من قوله سبحانه (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) وما لحق من إضافة الكهف إليهم وكونهم فى فجوة منه والخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب وليس المراد به الإخبار بوقوع الرؤية تحقيقا بل الإنباء بكون الكهف بحيث لو رأيته ترى الشمس (إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ) أى تتزاور وتتنحى بحذف إحدى التاءين وقرىء بإدغام التاء فى الزاى وتزور كتخمر* وتزوار كتحمار وتزوئر وكلها من الزور وهو الميل (عَنْ كَهْفِهِمْ) الذى أووا إليه فالإضافة لأدنى ملابسة (ذاتَ الْيَمِينِ) أى جهة ذات يمين الكهف عند توجه الداخل إلى قعره أى جانبه الذى يلى المغرب فلا يقع عليهم شعاعها فيؤذيهم (وَإِذا غَرَبَتْ) أى تراها عند غروبها (تَقْرِضُهُمْ) أى تقطعهم من القطيعة والصرم ولا تقربهم* (ذاتَ الشِّمالِ) أى جهة ذات شمال الكهف أى جانبه الذى يلى المشرق وكان ذلك بتصريف الله سبحانه* على منهاج خرق العادة كرامة لهم وقوله تعالى (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) جملة حالية مبينة لكون ذلك أمرا بديعا* أى تراها تميل عنهم يمينا وشمالا ولا تحوم حولهم مع أنهم فى متسع من الكهف معرض لإصابتها لو لا أن صرفتها عنهم يد التقدير (ذلِكَ) أى ما صنع الله بهم من تزاور الشمس وقرضها حالتى الطلوع والغروب*