(وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) (١٥)
____________________________________
الالتفات للإشعار بعلية وصف الربوبية لإيمانهم ولمراعاة ما صدر عنهم من المقالة حسبما سيحكى عنهم* (وَزِدْناهُمْ هُدىً) بأن ثبتناهم على ما كانوا عليه من الدين وأظهرنا لهم مكنونات محاسنه وفيه التفات من الغيبة إلى ما عليه سبك النظم سباقا وسياقا من التكلم (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) أى قويناها حتى اقتحموا مضايق الصبر على هجر الأهل والأوطان والنعيم والإخوان واجترؤا على الصدع بالحق من غير خوف* وحذار والرد على دقيانوس الجبار (إِذْ قامُوا) منصوب بربطنا والمراد بقيامهم انتصابهم لإظهار شعار الدين قال مجاهد خرجوا من المدينة فاجتمعوا على غير ميعاد فقال أكبرهم إنى لأجد فى نفسى شيئا إن ربى رب* السموات والأرض فقالوا نحن أيضا كذلك فقاموا جميعا (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ضمنوا دعواهم ما يحقق فحواها ويقضى بمقتضاها فإن ربوبيته عزوجل لهما تقتضى ربوبيته لما فيهما أى اقتضاء وقيل المراد قيامهم بين يدى الجبار من غير مبالاة به حين عاتهم على ترك عبادة الأصنام فحينئذ يكون ما سيأتى من قوله* تعالى (هؤُلاءِ) الخ منقطعا عما قبله صادرا عنهم بعد خروجهم من عنده (لَنْ نَدْعُوَا) لن نعبد أبدا (مِنْ دُونِهِ إِلهاً) معبودا آخر لا استقلالا ولا اشتراكا والعدول عن أن يقال ربا للتنصيص على رد المخالفين حيث كانوا يسمون أصنامهم آلهة وللإشعار بأن مدار العبادة وصف الألوهية وللإيذان بأن ربوبيته تعالى بطريق* الألوهية لا بطريق المالكية المجازية (لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) أى قولا ذا شطط أى تجاوز عن الحد أو قولا هو عين الشطط على أنه وصف بالمصدر مبالغة ثم اقتصر على الوصف مبالغة على مبالغة وحيث كانت العبادة مستلزمة للقول لما أنها لا تعرى عن الاعتراف بألوهية المعبود والتضرع إليه قيل لقد قلنا وإذا جواب وجزاء أى لودعونا من دونه إلها والله لقد قلنا قولا خارجا عن حد العقول مفرطا فى الظلم (هؤُلاءِ) هو مبتدأ وفى اسم الإشارة تحقير لهم (قَوْمُنَا) عطف بيان له (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) * خبره وفيه معنى الإنكار (لَوْ لا يَأْتُونَ) تحضيض فيه معنى الإنكار والتعجيز أى هلا يأتون (عَلَيْهِمْ) على* ألوهيتهم أو على صحة اتخاذهم لها آلهة (بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) بحجة ظاهرة الدلالة على مدعاهم وهو تبكيت لهم* وإلقام حجر (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بنسبة الشريك إليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا والمعنى أنه أظلم من كل ظالم وإن كان سبك النظم على إنكار الأظلمية من غير تعرض لإنكار المساواة كما مر تحقيقه فى سورة هود.