(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) (١٣)
____________________________________
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ) شروع فى تفصيل ما أجمل فيما سلف من قوله تعالى (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ) الخ أى نحن نخبرك بتفاصيل أخبارهم وقد مر بيان اشتقاقه فى مطلع سورة يوسف عليهالسلام (نَبَأَهُمْ) النبأ الخبر الذى له* شأن وخطر (بِالْحَقِّ) إما صفة لمصدر محذوف أو حال من ضمير نقص أو من نبأهم أو صفة له على رأى* من يرى حذف الموصول مع بعض صلته أى نقص قصصا ملتبسا بالحق أو نقصه ملتبسين به أو نقص نبأهم ملتبسا به أو نبأهم الملتبس به ونبأهم حسبما ذكره محمد بن إسحق بن يسار أنه قد مرج أهل الإنجيل وعظمت فيهم الخطايا وطغت ملوكهم فعبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت وكان ممن بالغ فى ذلك وعتا عتوا كبيرا دقيانوس فإنه غلا فيه غلوا شديدا فجاس خلال الديار والبلاد بالعيث والفساد وقتل من خالفه من المتمسكين بدين المسيح عليهالسلام وكان يتبع الناس فيخيرهم بين القتل وعبادة الأوثان فمن رغب فى الحياة الدنيا الدنية يصنع ما يصنع ومن آثر عليها الحياة الأبدية قتله وقطع آرابه وعلقها فى سور المدينة وأبوابها فلما رأى الفتية ذلك وكانوا عظماء أهل مدينتهم وقيل كانوا من خواص الملك قاموا فتضرعوا إلى الله عزوجل واشتغلوا بالصلاة والدعاء فبينما هم كذلك إذ دخل عليهم أعوان الجبار فأحضروهم بين يديه فقال لهم ما قال وخيرهم بين القتل وبين عبادة الأوثان فقالوا إن لنا إلها ملأ السموات والأرض عظمته وجبروته لن ندعو من دونه أحدا ولن نقر لما تدعونا إليه أبدا فاقض ما أنت قاض فأمر بنزع ما عليهم من الثياب الفاخرة وأخرجهم من عنده وخرج هو إلى مدينة نينوى لبعض شأنه وأمهلهم إلى رجوعه ليتأملوا فى أمرهم فإن تبعوه وإلا فعل بهم ما فعل بسائر المسلمين فأزمعت الفتية على الفرار بالدين والالتجاء إلى الكهف الحصين فأخذ كل منهم من بيت أبيه شيئا فتصدقوا ببعضه وتزودوا بالباقى فأووا إلى الكهف فجعلوا يصلون فيه آناء الليل وأطراف النهار ويبتهلون إلى الله سبحانه بالأنين والجؤار وفوضوا أمر نفقتهم إلى يمليخا فكان إذا أصبح يضع عنه ثيابه الحسان ويلبس لباس المساكين ويدخل المدينة ويشترى ما يهمهم ويتحسس ما فيها من الأخبار ويعود إلى أصحابه فلبثوا على ذلك إلى أن قدم الجبار المدينة فطلبهم وأحضر آباءهم فاعتذروا بأنهم عصوهم ونهبوا أموالهم وبذروها فى الأسواق وفروا إلى الجبل فلما راى يمليخا ما رأى من الشر رجع إلى أصحابه وهو يبكى ومعه قليل من الزاد فأخبرهم بما شهده من الهول ففزعوا إلى الله عزوجل وخروا له سجدا ثم رفعوا رءوسهم وجلسوا يتحدثون فى أمرهم فبينما هم كذلك إذ ضرب الله تعالى على آذانهم فناموا ونفقتهم عند رءوسهم فخرج دقيانوس فى طلبهم بخيله ورجله فوجدوهم قد دخلوا الكهف فأمر بإخراجهم فلم يطق أحد أن يدخله فلما ضاق بهم ذرعا قال قائل منهم أليس لو كنت قدرت عليهم قتلتهم قال بلى قال فابن عليهم باب الكهف ودعهم يموتوا جوعا وعطشا وليكن كهفهم قبرا لهم ففعل ثم كان من شأنهم ما قص الله عزوجل عنهم (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) استئناف تحقيقى* مبنى على تقدير السؤال من قبل المخاطب والفتية جمع قلة للفتى كالصبية للصبى (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) أوثر*