بعد ملك وقيل كلاهما من غيرهم والأول هو الأظهر فإن اللام للعهد ولا عهد لغيرهم والأمد بمعنى المدى كالغاية فى قولهم ابتداء الغاية وانتهاء الغاية وهو مفعول لأحصى والجار والمجرور حال منه قدمت عليه لكونه نكرة وليس معنى إحصاء تلك المدة ضبطها من حيث كميتها المتصلة الذاتية فإنه لا يسمى إحصاء بل ضبطها من حيث كميتها المفصلة العارضة لها باعتبار قسمتها إلى السنين وبلوغها من تلك الحيثية إلى مراتب الأعداد على ما يرشدك إليه كون تلك المدة عبارة عما سبق من السنين ويجوز أن يراد بالأمد معناه الوضعى بتقدير المضاف أى لزمان لبثهم وبدونه أيضا فإن اللبث عبارة عن الكون المستمر المنطبق على الزمان المذكور فباعتبار الامتداد العارض له بسببه يكون له أمد لا محالة لكن ليس المراد به ما يقع غاية ومنتهى لذلك الكون المستمر باعتبار كميته المتصلة العارضة له بسبب انطباقه على الزمان الممتد بالذات وهو آن انبعائهم من نومهم فإن معرفته من تلك الحيثية لا تخفى على أحد ولا تسمى إحصاء كما مر بل باعتبار كميته المفصلة معارضة له بسبب عروضها لزمانه المنطبق هو عليه باعتبار انقسامه إلى السنين ووصوله إلى مرتبة معينة من مراتب العدد كما حقق فى الصورة الأولى والفرق بين الاعتبارين أن ما تعلق به الإحصاء فى الصورة السابقة نفس المدة المنقسمة إلى السنين فهو مجموع ثلثمائة وتسع سنين وفى الصورة الأخيرة منتهى تلك المدة المنقسمة إليها أعنى السنة التاسعة بعد الثلثمائة وتعلق الإحصاء بالأمد بالمعنى الأول ظاهر وأما تعلقه به بالمعنى الثانى فباعتبار انتظامه لما تحته من مراتب العدد واشتماله عليها هذا على تقدير كون ما فى قوله تعالى (لِما لَبِثُوا) مصدرية ويجوز أن تكون موصولة حذف عائدها من الصلة أى للذى لبثوا فيه من الزمان الذى عبر عنه فيما قبل بسنين عددا فالأمد بمعناه الوضعى على ما تحققته وقيل اللام مزيدة والموصول مفعول وأمدا نصب على التمييز وأما ما قيل من أن أحصى اسم تفضيل لأنه الموافق لما وقع فى سائر الآيات الكريمة نحو أيهم أحسن عملا أيهم أقرب لكم نفعا إلى غير ذلك مما لا يحصى ولأن كونه فعلا ماضيا يشعر بأن غاية البعث هو العلم بالإحصاء المتقدم على البعث لا بالإحصاء المتأخر عنه وليس كذلك وادعاء أن مجىء أفعل التفضيل من المزيدة عليه غير قياسى مدفوع بأنه عند سيبويه قياس مطلقا وعند ابن عصفور فيما ليست همزته للنقل ولا ريب فى أن ما نحن فيه من ذلك القبيل وامتناع عمله إنما هو فى غير التمييز من المعمولات وأما أن التمييز يجب كونه فاعلا فى المعنى فلمانع أن يمنعه بصحة أن يقال أيهم أحفظ لهذا الشعر وزنا أو تقطيعا أو يقال أن العامل فى أمدا فعل محذوف يدل عليه المذكور أى يحصى لما لبثوا أمدا كما فى قوله [وأضرب منا بالسيوف القوانسا] وحديث الوقوع فى المحذور بلا فائدة مدفوع بما أشير إليه من فائدة الموافقة للنظائر فمع ما فيه من الاعتساف والخلل بمعزل من السداد لأن مؤداه أن يكون المقصود بالإخبار إظهار أفضل الحزبين وتمييزه عن الأدنى مع تحقق أصل الإحصاء فيهما ومن البين أن لا تحقق له أصلا وأن المقصود بالاختبار إظهار عجز الكل عنه رأسا فهو فعل ماض قطعا وتوهم إيذانه بأن غاية البعث هو العلم بالإحصاء المتقدم عليه مردود بأن صيغة الماضى باعتبار حال الحكاية والله تعالى أعلم.