(ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) (١٢)
____________________________________
إيتاء رحمة لدنية خافية عن أبصار المتمسكين بالأسباب العادية استجابة لدعوتهم (فِي الْكَهْفِ) ظرف* مكان لضربنا (سِنِينَ) ظرف زمان له باعتبار بقائه لا ابتدائه (عَدَداً) أى ذوات عدد أو تعد عددا على* أنه مصدر أو معدودة على أنه بمعنى المفعول ووصف السنين بذلك إما للتكثير وهو الأنسب بإظهار كمال القدرة أو للتقليل وهو الأليق بمقام إنكار كون القصة عجبا من بين سائر الآيات العجيبة فإن مدة لبثهم كبعض يوم عنده عزوجل(ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) أى أيقظناهم من تلك النومة الثقيلة الشبيهة بالموت (لِنَعْلَمَ) بنون العظمة وقرىء بالياء مبنيا للفاعل بطريق الالتفات وأيا ما كان فهو غاية للبعث لكن لا بجعل العلم مجازا من الإظهار والتمييز أو بحمله على ما يصح وقوعه غاية للبعث الحادث من العلم الحالى الذى يتعلق به الجزاء كما فى قوله تعالى (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) وقوله تعالى (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) ونظائرهما التى يتحقق فيها العلم بتحقق متعلقه قطعا فإن تحويل القبلة قد ترتب عليه تحزب الناس إلى متبع ومنقلب وكذا مداولة الأيام بين الناس ترتب عليه تحزبهم إلى الثابت على الإيمان والمتزلزل فيه وتعلق بكل من الفريقين العلم الحالى والإظهار والتمييز وأما بعث هؤلاء فلم يترتب عليه تفرقهم إلى المحصى وغيره حتى يتعلق بهما العلم أو الإظهار والتمييز ويتسنى نظم شىء من ذلك فى سلك الغاية وإنما الذى ترتب عليه تفرقهم إلى مقدر تقديرا غير مصيب ومفوض إلى العلم الربانى وليس شىء منهما من الإحصاء فى شىء بل يحمل النظم الكريم على التمثيل المبنى على جعل العلم عبارة عن الاختبار مجازا بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب وليس من ضرورة الاختبار صدور الفعل المختبر به عن المختبر قطعا بل قد يكون لإظهار عجزه عنه على سنن التكاليف التعجيزية كقوله تعالى (فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) وهو المراد ههنا فالمعنى بعثناهم لنعاملهم معاملة من يختبرهم (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) أى الفريقين المختلفين فى مدة لبثهم بالتقدير والتفويض كما* سيأتى (أَحْصى) أى أضبط (لِما لَبِثُوا) أى للبثهم (أَمَداً) أى غاية فيظهر لهم عجزهم ويفوضوا ذلك إلى* العليم الخبير ويتعرفوا حالهم وما صنع الله تعالى بهم من حفظ أبدانهم وأديانهم فيزدادوا يقينا بكمال قدرته وعلمه ويستبصروا به أمر البعث ويكون ذلك لطفا لمؤمنى زمانهم وآية بينة لكفارهم وقد اقتصر ههنا من تلك الغايات الجليلة على ذكر مبدئها الصادر عنه عزوجل وفيما سيأتى على ما صدر عنهم من التساؤل المؤدى إليها وهذا أولى من تصوير التمثيل بأن يقال بعثناهم بعث من يريد أن يعلم الخ حسبما وقع فى تفسير قوله تعالى (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) على أحد الوجوه حيث حمل على معنى فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم من الثابت على الإيمان من غير الثابت إذ ربما يتوهم منه استلزام الإرادة لتحقق المراد فيعود المحذور فيصار إلى جعل إرادة العلم عبارة عن الاختبار فاختبر واختر. هذا وقد قرىء ليعلم مبنيا للمفعول ومبنيا للفاعل من الإعلام على أن المفعول الأول محذوف والجملة المصدرة بأى فى موقع المفعول الثانى فقط إن جعل العلم عرفانيا او فى موقع المفعولين إن جعل يقينيا أى ليعلم الله الناس أى الحزبين أحصى الخ وروى عطاء عن ابن عباس رضى الله عنهما أن أحد الحزبين الفتية والآخر الملوك الذين تداولوا المدينة ملكا