١٤ ـ سورة إبراهيم عليهالسلام
(مكية وآياتها اثنان وخمسون)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) (٢)
____________________________________
(سورة إبراهيم عليهالسلام مكية إلا آيتى ٢٨ و ٢٩ فمدنيتان وآيها اثنان وخمسون)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (الر) مر الكلام فيه وفى محله غير مرة وقوله تعالى (كِتابٌ) خبر له على تقدير كون الر مبتدأ أو لمتدأ مضمر على تقدير كونه خبرا لمبتدأ محذوف أو مسرودا على نمط التعديد* ويجوز أن يكون خبرا ثانيا لهذا المبتدأ المحذوف وقوله تعالى (أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) صفة له وقوله تعالى (لِتُخْرِجَ النَّاسَ) متعلق بأنزلناه أى لتخرجهم كافة بما فى تضاعيفه من البينات الواضحة المفصحة عن كونه من عند* الله عزوجل الكاشفة عن العقائد الحقة وقرىء ليخرج الناس (مِنَ الظُّلُماتِ) أى ليخرج به الناس من عقائد* الكفر والضلال التى كلها ظلمات محضة وجهالات صرفة (إِلَى النُّورِ) إلى الحق الذى هو نور بحت لكن لا* كيفما كان فإنك لا تهدى من أحببت بل (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أى بتيسيره وتوفيقه وللأنباء عن كون ذلك منوطا بإقبالهم إلى الحق كما يفصح عنه قوله تعالى (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) استعير له الإذن الذى هو عبارة عن تسهيل الحجاب لمن يقصد الورود وأضيف إلى ضميرهم اسم الرب المفصح عن التربية التى هى عبارة عن تبليغ الشىء إلى كماله المتوجه إليه وشمول الإذن بهذا المعنى للكل واضح وعليه يدور كون الإنزال لإخراجهم جميعا وعدم تحقق الإذن بالفعل فى بعضهم لعدم تحقق شرطه المستند إلى سوء اختيارهم غير مخل بذلك والباء متعلقة بتخرج أو بمضمر وقع حالا من مفعوله أى ملتبسين بإذن ربهم وجعله حالا من فاعله يأباه إضافة الرب إليهم لا إليه وحيث كان الحق مع وضوحه فى نفسه وإيضاحه لغيره موصلا إلى الله عزوجل* استعير له النور تارة والصراط أخرى فقيل (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) على وجه الإبدال بتكرير العامل كما فى قوله تعالى (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) وإخلال البدل والبيان بالاستعارة إنما هو فى الحقيقة لا فى المجاز كما فى قوله سبحانه (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) وقيل هو استئناف مبنى على سؤال كأنه قيل إلى أى نور فقيل إلى صراط العزيز الحميد وإضافة الصراط إليه تعالى لأنه مقصده أو المبين له وتخصيص الوصفين بالذكر للترغيب فى سلوكه ببيان ما فيه من الأمن والعاقبة الحميدة (اللهِ) بالجر عطف بيان للعزيز الحميد لجريانه مجرى الأعلام الغالبة بالاختصاص بالمعبود بالحق