(الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (٣)
____________________________________
كالنجم فى الثريا وقرىء بالرفع على هو الله أى العزيز الحميد الذى أضيف إليه الصراط الله (الَّذِي لَهُ) * ملكا وملكا (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أى ما وجد فيهما داخلا فيهما أو خارجا عنهما متمكنا فيهما* كما مر فى آية الكرسى ففيه على القراءتين بيان لكمال فخامة شأن الصراط وإظهار لتحتم سلوكه على الناس قاطبة وتجويز الرفع على الابتداء بجعل الموصول خبرا مبناه الغفول عن هذه النكتة وقوله عزوجل (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ) وعيد لمن كفر بالكتاب ولم يخرج به من الظلمات إلى النور بالويل وهو نقيض الوال* وهو النجاة وأصله النصب كسائر المصادر ثم رفع رفعها للدلالة على الثبات كسلام عليك (مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) متعلق بويل على معنى يولولون ويضجون منه قائلين يا ويلاه كقوله تعالى (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) أى يؤثرونها استفعال من المحبة فإن المؤثر للشىء على غيره كأنه يطلب من نفسه أن يكون أحب إليها وأفضل عندها من غيره (عَلَى الْآخِرَةِ) أى الحياة الآخرة الأبدية* (وَيَصُدُّونَ) الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) التى بين شأنها والاقتصار على الإضافة إلى الاسم الجليل المنطوى* على كل وصف جميل لروم الاختصار وهو من صده صدا وقرىء يصدون من أصد المنقول من صد صدودا إذا نكب وهو غير فصيح كأوقف فإن فى صده ووقفه لمندوحة عن تكلف النقل (وَيَبْغُونَها) * أى يبغون لها فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير أى يطلبون لها (عِوَجاً) أى زيغا واعوجاجا وهى* أبعد شىء من ذلك أى يقولون لمن يريدون صده وإضلاله إنها سبيل ناكبة وزائغة غير مستقيمة ومحل موصول هذه الصلات الجر على أنه بدل من الكافرين أو صفة له فيعتبر كل وصف من أوصافهم بإزاء ما يناسبه من المعانى المعتبرة فى الصراط فالكفر المنبىء عن الستر بإزاد كونه نورا واستحباب الحياة الدنيا الفانية المفصحة عن وخامة العاقبة بمقابلة كون سلوكه محمود العاقبة والصد عنه بإزاء كونه مأمونا وفيه من الدلالة على تماديهم فى الغى ما لا يخفى أو النصب على الذم أو الرفع على الابتداء والخبر قوله تعالى (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) وعلى الأول جملة مستأنفة وقعت معللة لما سبق من لحوق الويل بهم تأكيدا* لما أشعر به بناء الحكم على الموصول أى أولئك الموصوفون بالقبائح المذكورة من استحباب الحياة الدنيا على الآخرة وصد الناس عن سبيل الله المستقيمة ووصفها بالاعوجاج وهى منه بنزه فى ضلال عن طريق الحق بعيد بالغ فى ذلك غاية الغايات الفاصية والبعد وإن كان من أحوال الضال إلا أنه قد وصف به وصفه مجازا للمبالغة كجد جده وداهية دهياء ويجوز أن يكون المعنى فى ضلال ذى بعد أو فيه بعد فإن الضال قد يضل عن الطريق مكانا قريبا وقد يضل بعيدا وفى جعل الضلال محيطا بهم إحاطة الظرف بما فيه ما لا يخفى من المبالغة.