(لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٠٩) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١١١) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (١١٢)
____________________________________
الْغافِلُونَ) أى الكاملون فى الفغلة إذ لا غفلة أعظم من الغفلة عن تدبر العواقب (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) إذ ضيعوا أعمارهم وصرفوها إلى ما لا يفضى إلا إلى العذاب المخلد (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا) إلى دار الإسلام وهم عمار وأصحابه رضى الله عنهم أى لهم بالولاية والنصر لا عليهم كما يوجبه ظاهر أعمالهم السابقة فالجار والمجرور خبر لأن ويجوز أن يكون خبرها محذوفا لدلالة الخبر الآتى عليه ويجوز أن يكون ذلك خبرا لها وتكون إن الثانية تأكيدا للأولى وثم للدلالة على تباعد رتبة حالهم هذه عن رتبة حالهم التى يفيدها الاستثناء من مجرد الخروج عن حكم الغضب والعذاب بطريق الإشارة لا عن رتبة حال الكفرة* (مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) أى عذبوا على الارتداد وتلفظوا بما يرضيهم مع اطمئنان قلوبهم بالإيمان وقرىء* على بناء الفاعل أى عذبوا المؤمنين كالحضرمى أكره مولاه جبرا حتى ارتد ثم أسلما وهاجرا (ثُمَّ جاهَدُوا) * فى سبيل الله (وَصَبَرُوا) على مشاق الجهاد (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) من بعد المهاجرة والجهاد والصبر فهو تصريح بما أشعر به بناء الحكم على الموصول من علية الصلة له أو من بعد الفتنة المذكورة فهو لبيان عدم* إخلال ذلك بالحكم (لَغَفُورٌ) لما فعلوا من قبل (رَحِيمٌ) ينعم عليهم مجازاة على ما صنعوا من بعد وفى التعرض لعنوان الربوبية فى الموضعين إيماء إلى علة الحكم وفى إضافة الرب إلى ضميره عليهالسلام مع ظهور الأثر فى الطائفة المذكورة إظهار لكمال اللطف به عليهالسلام وإشعار بأن إفاضة آثار الربوبية عليهم من المغفرة والرحمة بواسطته عليهالسلام ولكونهم أتباعا له (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ) منصوب برحيم* وما رتب عليه أو باذكر وهو يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين (تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) عن ذاتها* تسعى فى خلاصها بالاعتذار لا يهمها شأن غيرها فتقول نفسى نفسى (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ) أى تعطى وافيا* كاملا (ما عَمِلَتْ) أى جزاء ما عملت بطريق إطلاق اسم السبب على المسبب إشعارا بكمال الاتصال بين الأجزية والأعمال وإيثار الإظهار على الإضمار لزيادة التقرير وللإيذان باختلاف وفتى المجادلة والتوفية وإن كانتا فى يوم واحد (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) لا ينقصون أجورهم أولا يعاقبون بغير موجب ولا يزاد فى عقابهم على ذنوبهم (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً) قيل ضرب المثل صنعه واعتماله وقد مر تحقيقه فى سورة البقرة ولا يتعدى إلا إلى مفعول واحد وإنما عدى إلى الاثنين لتضمنه معنى الجعل وتأخير قرية مع كونها