(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) (١١)
____________________________________
إلى سائر الآيات التى من جملتها ما ذكر من تعاجيب خلق الله تعالى بل هى عندها كالنزر الحقير والكهف الغار الواسع فى الجبل والرقيم كلبهم قال أمية بن أبى الصلت[وليس بها إلا الرقيم مجاورا * وصيدهم والقوم فى الكهف همد] وقيل هو لوح رصاصى أو حجرى رقمت فيه أسماؤهم وجعل على باب الكهف وقيل هو الوادى الذى فيه الكهف فهو من رقمة الوادى أى جانبه وقيل الجبل وقيل قريتهم وقيل مكانهم بين غضبان وأيلة دون فلسطين وقيل أصحاب الرقيم آخرون وكانوا ثلاثة انطبق عليهم الغار فنجوا بذكر كل منهم أحسن عمله على ما فصل فى الصحيحين (إِذْ أَوَى) ظرف لعجبا لا لحسبت أو مفعول لا ذكر أى حين* التجأ (الْفِتْيَةُ) أى أصحاب الكهف أوثر الإظهار على الإضمار لتحقيق ما كانوا عليه فى أنفسهم من حال الفتوة فإنهم كانوا فتية من أشراف الروم أرادهم دقيانوس على الشرك فهربوا منه بدينهم ولأن صاحبية* الكهف من فروع التجائهم إلى الكهف فلا يناسب اعتبارها معهم قبل بيانه (إِلَى الْكَهْفِ) بجبلهم* للجلوس واتخذوه مأوى (فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ) من خزائن رحمتك الخاصة المكنونة عن عيون أهل العادات فمن ابتدائية متعلقة بآتنا أو بمحذوف وقع حالا من مفعوله الثانى قدمت عليه لكونه نكرة* ولو تأخرت لكانت صفة له أى آتنا كائنة من لدنك (رَحْمَةً) خاصة تستوجب المغفرة والرزق والأمن من الأعداء (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا) الذى نحن عليه من مهاجرة الكفار والمثابرة على طاعتك وأصل التهيئة إحداث هيئة الشىء أى أصلح ورتب وأتمم لنا من أمرنا (رَشَداً) إصابة للطريق الموصل إلى المطلوب واهتداء إليه وكلا الجارين متعلق بهيىء لاختلافهما فى المعنى وتقديم المجرورين على المفعول الصريح لإظهار الاعتناء بهما وإبراز الرغبة فى المؤخر بتقديم أحواله فإن تأخير ما حقه التقديم عما هو من أحواله المرغبة فيه كما يورث شوق السامع إلى وروده ينبىء عن كمال رغبة المتكلم فيه واعتنائه بحصوله لا محالة وكذا الكلام فى تقديم قوله تعالى (مِنْ لَدُنْكَ) على تقدير تعلقه بآتنا وتقديم لنا على من أمرنا للإيذان من أول الأمر بكون المسئول مرغوبا فيه لديهم أو اجعل أمرنا رشدا كله على أن من تجريدية مثلها فى قولك رأيت منك أسدا (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) اى أنمناهم على طريقة التمثيل المبنى على تشبيه الإنامة الثقيلة المانعة عن وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها وتخصيص الآذان بالذكر مع اشتراك سائر المشاعر لها فى الحجب عن الشعور عند النوم لما أنها المحتاج إلى الحجب عادة إذ هى الطريقة للتيقظ غالبا لا سيما عند انفراد النائم واعتزاله عن الخلق وقيل الضرب على الآذان كناية عن الإنامة الثقيلة وحمله على تعطيلها كما فى قولهم ضرب الأمير على يد الرعية أى منعهم من التصرف مع عدم ملاءمته لما سيأتى من البعث لا يدل على النوم مع أنه المراد قطعا والفاء فى فضربنا كما فى قوله عزوجل (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) بعد قوله تعالى (إِذْ نادى) فإن الضرب المذكور وما ترتب عليه من التقليب ذات اليمين وذات الشمال والبعث وغير ذلك