(وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) (٩)
____________________________________
على أنظارهم وتفاوت درجات أعمالهم المتفرعة على ذلك كما قررناه فى مطلع سورة هود وأى إما استفهامية مرفوعة بالابتداء وأحسن خبرها والجملة فى محل النصب معلقة لفعل البلوى لما فيه من معنى العلم باعتبار عاقبته كالسؤال والنظر ولذلك أجرى مجراه بطريق التمثيل أو الاستعارة التبعية وإما موضولة بمعنى الذى وأحسن خبر مبتدأ مضمر والجملة صلة لها وهى فى حين النصب بدل من مفعول لنبلوهم والتقدير لنبلو الذى هو أحسن عملا فحينئذ يحتمل أن تكون الضمة فى أيهم للبناء كما فى قوله عزوجل (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) على أحد الأقوال لتحقق شرط البناء الذى هو الإضافة لفظا وحذف صدر الصلة وأن تكون للإعراب لأن ما ذكر شرط لجواز البناء لا لوجوبه وحسن العمل الزهد فيها وعدم الاغترار بها والقناعة باليسير منها وصرفها على ما ينبغى والتأمل فى شأنها وجعلها ذريعة إلى معرفة خالقها والتمتع بها حسبما أذن له الشرع وأداء حقوقها والشكر لها لا اتخاذها وسيلة إلى الشهوات والأغراض الفاسدة كما يفعله الكفرة وأصحاب الأهواء وإيراد صيغة التفضيل مع أن الابتلاء شامل للفريقين باعتبار أعمالهم المنقسمة إلى الحسن والقبح أيضا لا إلى الحسن والأحسن فقط للإشعار بأن الغاية الأصلية للجعل المذكور إنما هو ظهور كمال إحسان المحسنين على ما حقق فى تفسير قوله تعالى (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ) فيما سيأتى عند تناهى عمر الدنيا (ما عَلَيْها) من المخلوقات قاطبة بإفنائها بالكلية وإنما أظهر فى مقام الإضمار لزيادة* التقرير أو لإدراج المكلفين فيه (صَعِيداً) مفعول ثان للجعل والصعيد التراب أو وجه الأرض قال* أبو عبيدة هو المستوى من الأرض وقال الزجاج هو الطريق الذى لا نبات فيه (جُرُزاً) ترابا لا نبات* فيه بعد ما كان يتعجب من بهجته النظار وتتشرف بمشاهدته الأبصار يقال أرض جرز لا نبات فيها وسنة جرز لا مطر فيها قال الفراء جرزت الأرض فهى مجروزة أى ذهب نباتها بقحط أو جراد ويقال جرزها الجراد والشاة والإبل إذا أكلت ما عليها وهذه الجملة لتكميل ما فى السابقة من التعليل والمعنى لا تحزن بما عاينت من القوم من تكذيب ما أنزلنا عليك من الكتاب فإنا قد جعلنا ما على الأرض من فنون الأشياء زينة لها لنختبر أعمالهم فنجازيهم بحسبها وإنا لمفنون جميع ذلك عن قريب ومجازون لهم بحسب أعمالهم (أَمْ حَسِبْتَ) الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم والمراد إنكار حسبان أمته وأم منقطعة مقدرة ببل التى هى للانتقال من حديث إلى حديث لا للإبطال وبهمزة الاستفهام عند الجمهور وببل وحدها عند غيرهم أى بل أحسبت (أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا) فى بقائهم على الحياة مدة طويلة من الدهر (مِنْ آياتِنا) من بين آياتنا* التى من جملتها ما ذكرناه من جعل ما على الأرض زينة لها للحكمة المشار إليها ثم جعل ذلك كله صعيدا جرزا كأن لم تغن بالأمس (عَجَباً) أى آية ذات عجب وضعا له موضع المضاف أو وصفا لذلك بالمصدر مبالغة* وهو خبر لكانوا ومن آياتنا حال منه والمعنى أن قصتهم وإن كانت خارقة للعادات ليست بعجيبة بالنسبة