(فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦) إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (٧)
____________________________________
* يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) الآيات وهو الأنسب بقوله تعالى (كَبُرَتْ كَلِمَةً) أى عظمت مقالتهم هذه فى الكفر والافتراء لما فيها من نسبته سبحانه إلى مالا يكاد يليق بجناب كبريائه والفاعل فى كبرت إما ضمير المقالة المدلول عليها بقالوا وكلمة نصب على التمييز أو ضمير مبهم مفسر بما بعده من النكرة المنصوبة تمييزا كبئس رجلا والمخصوص بالذم محذوف تقديره كبرت هى كلمة خارجة من أفواههم وقرىء كبرت بإسكان الباء مع* إشمام الضم وقرىء كلمة بالرفع (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) صفة للكلمة مفيدة لاستعظام اجترائهم على التفوه* بها وإسناد الخروج إليها مع أن الخارج هو الهواء المتكيف بكيفية الصوت لملابسته بها (إِنْ يَقُولُونَ) * ما يقولون فى ذلك الشأن (إِلَّا كَذِباً) أى إلا قولا كذبا لا يكاد يدخل تحت إمكان الصدق أصلا والضميران لهم ولآبائهم مثل حاله صلىاللهعليهوسلم فى شدة الوجد على إعراض القوم وتوليهم عن الإيمان بالقرآن وكمال التحسر عليهم بحال من يتوقع منه إهلاك نفسه إثر فوت ما يحبه عند مفارقة أحبته تأسفا على مفارقتهم ٦ وتلهفا على مهاجرتهم فقيل على طريقة التمثيل حملا له صلىاللهعليهوسلم على الحذر والإشفاق من ذلك (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ) * أى مهلك (نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) غما ووجدا على فراقهم وقرىء بالإضافة (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ) أى القرآن الذى عبر عنه فى صدر السورة بالكتاب وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة ما سبق عليه وقرىء بأن المفتوحة أى لأن لم يؤمنوا فإعمال باخع بحمله على حكاية حال ماضية لاستحضار الصورة كما* فى قوله عزوجل (باسِطٌ ذِراعَيْهِ (أَسَفاً) مفعول له لباخع أى لفرط الحزن والغضب أو حال مما فيه من الضمير أى متأسفا عليهم ويجوز حمل النظم الكريم على الاستعارة التبعية بجعل التشبيه بين أجزاء الطرفين لا بين الهيئتين المنتزعتين منهما كما فى التمثيل وقد مر تحقيقه فى تفسير قوله تعالى (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ) استئناف وتعليل لما فى لعل من معنى الإشفاق أى إنا جعلنا ما عليها ممن عدا من وجه إليه التكليف من الزخارف حيوانا كان أو نباتا أو معدنا كقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (زِينَةً) مفعول ثان للجعل إن حمل على معنى التصيير أو حال إن حمل على معنى الإبداع واللام فى (لَها) إما متعلقة بزينة أو بمحذوف هو صفة لها أى كائنة لها أى ليتمتع بها الناظرون من المكلفين وينتفعوا بها نظرا واستدلالا فإن الحيات والعقارب من حيث تذكيرهما لعذاب الآخرة من قبيل المنافع بل كل حادث داخل تحت الزينة من حيث دلالته على وجود الصانع ووحدته فإن الأزواج والأولاد أيضا من زينة الحياة الدنيا بل أعظمها ولا يمنع ذلك كونهم من جملة المكلفين فإنهم من جهة انتسابهم إلى أصحابهم داخلون تحت الزينة ومن جهة كونهم مكلفين داخلون تحت الابتلاء (لِنَبْلُوَهُمْ) متعلق بجعلنا أى جعلنا ما جعلنا لنعاملهم معاملة من يختبرهم (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) فنجازيهم بالثواب والعقاب حسبما تبين المحسن من المسىء وامتازت طبقات أفراد كل من الفريقين حسب امتياز مراتب علومهم المرتبة