(وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (٥٠)
____________________________________
والتقريع أى زعمتم فى الدنيا أنه لن نجعل لكم أبدا وقتا ننجز فيه ما وعدناه من البعث وما يتبعه وأن مخففة من المثقلة فصل بحرف النفى بينها وبين خبرها لكونه جملة فعلية متصرفة غير دعاء والظرف إما مفعول ثان للجعل وهو بمعنى التصيير والأول هو موعدا أو حال من موعد أو هو بمعنى الخلق والإبداع (وَوُضِعَ الْكِتابُ) عطف على عرضوا داخل تحت الأمور الهائلة التى أريد تذكيرها بتذكير وقتها أورد فيه ما أورد فى أمثاله من صيغة الماضى دلالة على التقرر أيضا أى وضع صحائف الأعمال وإيثار الإفراد للاكتفاء بالجنس والمراد بوضعها إما وضعها فى أيدى أصحابها يمينا وشمالا وإما فى الميزان (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ) قاطبة فيدخل فيهم الكفرة المنكرون للبعث دخولا أوليا (مُشْفِقِينَ) خائفين (مِمَّا فِيهِ) من* الجرائم والذنوب (وَيَقُولُونَ) عند وقوفهم على ما فى تضاعيفه نقيرا وقطميرا (يا وَيْلَتَنا) منادين لهلكتهم* التى هلكوها من بين الهلكات مستدعين لها ليهلكوا ولا يروا هول مالا قوه أى يا ويلتنا احضرى فهذا أوان حضورك (ما لِهذَا الْكِتابِ) أى أى شىء له وقوله تعالى (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) * أى حواها وضبطها جملة حالية محققة لما فى الجملة الاستفهامية من التعجب أو استئنافية مبنية على سؤال نشأ من التعجب كأنه قيل ما شأنه حتى يتعجب منه فقيل لا يغادر سيئة صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا) فى الدنيا من السيئات أو جزاء ما عملوا (حاضِراً) مسطورا عتيدا (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) فيكتب ما لم يعمل من السيئات أو يزيد فى عقابه المستحق فيكون إظهارا لمعدلة القلم الأزلى (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) أى اذكر وقت قولنا لهم (اسْجُدُوا لِآدَمَ) سجود تحية وتكريم وقد مر تفصيله (فَسَجَدُوا) جميعا امتثالا بالأمر (إِلَّا إِبْلِيسَ) فإنه لم يسجد بل أبى واستكبر وقوله تعالى (كانَ مِنَ الْجِنِّ) كلام مستأنف سيق مساق التعليل لما يفيده استثناء اللعين من الساجدين كأنه قيل ماله لم يسجد فقيل كان أصله جنيا (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) أى خرج عن طاعته كما ينبىء عنه الفاء أو صار فاسقا كافرا بسبب* أمر الله تعالى إذ لو لاه لما أبى والتعرض لوصف الربوبية المنافية للفسق لبيان كمال قبح ما فعله والمراد بتذكير قصته تشديد النكير على المتكبرين المفتخرين بأنسابهم وأموالهم المستنكفين عن الانتظام فى سلك فقراء المؤمنين ببيان أن ذلك من صنيع إبليس وأنهم فى ذلك تابعون لتسويله كما ينبىء عنه قوله تعالى (أَفَتَتَّخِذُونَهُ) الخ فإن الهمزة للإنكار والتعجيب والفاء للتعقيب أى أعقيب علمكم بصدور تلك القبائح عنه* تتخذونه (وَذُرِّيَّتَهُ) أى أولاده وأتباعه جعلوا ذريته مجازا قال قتادة يتوالدون كما يتوالد بنو آدم وقيل يدخل ذنبه فى دبره فيبيض فتنفلق البيضة عن جماعة من الشياطين (أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) فتستبدلونهم بى فتطيعونهم*