(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) (٤٨)
____________________________________
وأما مامر من المال والبنين فليس لصاحبه أمل يناله وتكرير خير للإشعار باختلاف حيثيتى الخيرية والمبالغة فيها (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) منصوب بمضمر أى اذكر حين نقلعها من أماكنها ونسيرها فى الجو على هيئاتها كما ينبىء عنه قوله تعالى (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) أو نسير أجزاءها بعد أن نجعلها هباء منبثا والمراد بتذكيره تحذير المشركين مما فيه من الدواهى وقيل هو معطوف على ما قبله من قوله تعالى (عِنْدَ رَبِّكَ) أى الباقيات الصالحات خير عند الله ويوم القيامة وقرىء تسير على صيغة البناء للمفعول من التفعيل جريا على سنن الكبرياء وإيذانا بالاستغناء عن الإسناد إلى الفاعل لتعينه وقرىء* تسير (وَتَرَى الْأَرْضَ) أى جميع جوانبها والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أو لكل أحد ممن يتأتى منه الرؤية* وقرىء ترى على صيغة البناء للمفعول (بارِزَةً) أما بروز ما تحت الجبال فظاهر وأما ما عداه فكانت الجبال تحول بينه وبين الناظر قبل ذلك فالآن أضحى قاعا صفصفا لا ترى فيها ولا أمتا (وَحَشَرْناهُمْ) جمعناهم إلى الموقف من كل أوب وإيثار صيغة الماضى بعد نسير وترى للدلالة على تحقق الحشر المتفرع على البعث الذى ينكره المنكرون وعليه يدور أمر الجزاء وكذا الكلام فيما عطف عليه منفيا وموجبا وقيل هو للدلالة* على أن حشرهم قبل التسيير والبروز ليعاينوا تلك الأهوال كأنه قيل وحشرناهم قبل ذلك (فَلَمْ نُغادِرْ) * أى لم نترك (مِنْهُمْ أَحَداً) يقال غادره وأغدره إذا تركه ومنه الغدر الذى هو ترك الوفاء والغدير الذى هو ماء يتركه السيل فى الأرض الغائرة وقرىء بالياء وبالفوقانية على إسناد الفعل إلى ضمير الأرض كما فى قوله تعالى (وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ) (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ) شبهت حالهم بحال جند عرضوا على السلطان ليأمر فيهم بما يأمر وفى الالتفات إلى الغيبة وبناء الفعل للمفعول مع التعرض لعنوان الربوبية والإضافة إلى* ضميره صلىاللهعليهوسلم من تربية المهابة والجرى على سنن الكبرياء وإظهار اللطف به صلىاللهعليهوسلم مالا يخفى (صَفًّا) أى غير متفرقين ولا مختلطين فلا تعرض فيه لوحدة الصف وتعدده وقد ورد فى الحديث الصحيح يجمع الله الأولين* والآخرين فى صعيد واحد صفوفا (لَقَدْ جِئْتُمُونا) على إضمار القول على وجه يكون حالا من ضمير عرضوا أى مقولا لهم أو وقلنا لهم وأما كونه عاملا فى يوم نسير كما قيل فبعيد من جزالة التنزيل الجليل كيف لا ويلزم منه أن هذا القول هو المقصود بالأصالة دون سائر القوارع مع أنه خاص التعلق بما قبله من العرض والحشر دون* تسيير الجبال وبروز الأرض (كَما خَلَقْناكُمْ) نعت لمصدر مقدر أى مجيئا كائنا كمجيئكم عند خلقنا لكم (أَوَّلَ مَرَّةٍ) أو حال من ضمير جئتمونا أى كائنين كما خلقناكم أول مرة حفاة عراة غرلا أو ما معكم شىء مما تفتخرون به من الأموال والأنصار كقوله تعالى (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) إضراب وانتقال من كلام إلى كلام كلاهما للتوبيخ