(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (٣٦) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧) لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) (٣٨)
____________________________________
(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ) التى شرحت أحوالها وعددها وصفاتها وهيآتها وتوحيدها إما لعدم تعلق الغرض* بتعدادها وإما لاتصال إحداهما بالأخرى وإما لأن الدخول يكون فى واحدة فواحدة (وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) * ضار لها بعجبه وكفره (قالَ) استئناف مبنى على سؤال نشأ من ذكر دخول جنته حال ظلمه لنفسه كأنه* قيل فماذا قال إذ ذاك فقيل قال (ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ) الجنة أى تفنى (أَبَداً) لطول أمله وتمادى غفلته واغتراره بمهلته ولعله إنما قاله بمقابلة موعظة صاحبه وتذكيره بفناء جنتيه ونهيه عن الاغترار بهما وأمره بتحصيل الباقيات الصالحات (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) كائنة فيما سيأتى (وَلَئِنْ رُدِدْتُ) بالبعث عند قيامها* كما تقول (إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ) يومئذ (خَيْراً مِنْها) أى من هذه الجنة وقرىء منهما أى من الجنتين (مُنْقَلَباً) مرجعا وعاقبة ومدار هذا الطمع واليمين الفاجرة اعتقاد أنه تعالى إنما أولاه ما أولاه فى الدنيا لاستحقاقه الذاتى وكرامته عليه سبحانه ولم يدر أن ذلك استدراج (قالَ لَهُ صاحِبُهُ) استئناف كما سبق (وَهُوَ يُحاوِرُهُ) * جملة حالية كما مر فائدتها التنبيه من أول الأمر على أن ما يتلوه كلام معتنى بشأنه مسوق للمحاورة (أَكَفَرْتَ) حيث قلت ما أظن الساعة قائمة (بِالَّذِي خَلَقَكَ) أى فى ضمن خلق أصلك (مِنْ تُرابٍ) فإن خلق آدم عليهالسلام منه متضمن لخلقه منه لما أن خلق كل فرد من أفراد البشر له حظ من خلقه عليهالسلام إذ لم تكن فطرته الشريفة مقصورة على نفسه بل كانت أنموذجا منطوبا على فطرة سائر أفراد الجنس انطواء إجماليا مستتبعا لجريان آثارها على الكل فكان خلقه عليهالسلام من التراب خلقا للكل منه وقيل خلقك منه لأنه أصل* مادتك إذ به يحصل الغذاء الذى منه تحصل النطفة فتدبر (مِنْ نُطْفَةٍ) هى مادتك القريبة فالمخلوق واحد* والمبدأ متعدد (ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) أى عدلك وكملك إنسانا ذكرا أو صيرك رجلا والتعبير عنه تعالى بالموصول للإشعار بعلية ما فى حين الصلة لإنكار الكفر والتلويح بدليل البعث الذى نطق به قوله عز من قائل (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) الخ (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) أصله لكن إنا وقد قرىء كذلك فحذفت الهمزة فتلاقت النونان فكان الإدغام وهو ضمير الشأن وهو مبتدأ خبره (اللهُ رَبِّي) وتلك الجملة خبر إنا والعائد منها إليه الضمير وقرىء بإثبات ألف إنا فى الوصل والوقف جميعا وفى الوقف خاصة وقرىء لكنه بالهاء ولكن بطرح إنا ولكن إنا لا إله إلا هو ربى ومدار الاستدارك قوله* تعالى (أَكَفَرْتَ) كأنه قال أنت كافر لكنى مؤمن موحد (وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) فيه إيذان بأن كفره كان